@ 303 @ بَعْدَ مَوْتِهَا } قيل : لما خرّب بخت نصر البابلي بيت المقدس ، حين أحدثت بنو اسرائيل الأحداث ، وقف أرمياء ، أو عزير ، على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس ، لأن بخت نصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى جعله كالجبل ، فقال هذا الكلام . .
قال الزمخشري : والمارّكان كافراً بالبعث وهو الظاهر لانتظامه مع نمروذ في سلك ، ولكلمة الاستبعاد التي هي : أنَّى يحيي ، وقيل : عزير ، أو : الخضر ، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم . انتهى . .
وقال أبو علي : لا يجوز أن يكون نبياً لأن مثل هذا الشك لا يقع للأنبياء . والإحياء والإماتة هنا مجازان ، عبر بالإحياء عن العمارة ، وبالموت عن الخراب . وقيل : حقيقتان فيكون ثم مضاف محذوف تقديره : أنَّى يحيي أهل هذه القرية ، أو يكون هذه إشارة إلى ما دل عليه المعنى من عظام أهلها البالية ، وجثثهم المتمزقة ، وأوصالهم المتفرقة ، فعلى القول بالمجاز يكون قوله : أنَّى يحيي على سبيل التلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته ، وضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه ، وعلى القول الثاني يكون قوله : أنَّى يحيي اعترافاً بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء واستعظاماً لقدرة المحيي ، وليس ذلك على سبيل الشك . وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال : كان هذا القول شكاً في قدرة الله على الإحياء ، فلذلك ضرب له المثل في نفسه . .
{ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } أي أحياه وجعل له الحركة والانتقال . قيل : لما مر سبعون سنة من موته ، وقد منعه من السباع والطير ، ومنع العيون أن تراه ، أرسل الله ملكاً إلى ملك من ملوك فارس عظيم يقال له لوسك ، فقال له : إن الله يأمرك أن تنفر بقوم ؛ فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها حتى تعود أحسن ما كانت ، فانتدب الملك قيل ثلاثة آلاف قهرمان مع كل قهرمان ألف عامل ، وجعلوا يعمرونها ، وأهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ، ونجى الله من بقي من بني اسرائيل وردّهم إلى بيت المقدس ونواحيه فعمروها ثلاثين سنة ، وكثر واحتى كانوا كأحسن ما كانوا عليه . .
{ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } . الظاهر أن القائل هو الله تعالى لقوله : { كَيْفَ نُنشِزُهَا } وقيل : هاتف من السماء ، وقيل : جبريل ، وقيل : نبي ، وقيل : رجل مؤمن شاهده حين مات وعمر إلى حين إحيائه . .
وعلى اختيار الزمخشري لم يكن بعد البعث كافراً ، فلذلك ساغ أن يكلمه الله . انتهى . ولا نص في الآية على أن الله كلَّمه شفاهاً . .
و : كم ، ظرف أي : كم مدّة لبثت ؟ أي : لبثت ميتاً وهو سؤال على سبيل التقرير . .
{ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } قال ابن جريج ، وقتادة ، والربيع : أماته الله غدوة يوم ثم بعثه قبل الغروب بعد مائة سنة ، فقال : قبل النظر إلى الشمس : يوماً ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس ، فقال : أو بعض يوم ، فكان قوله : يوماً على سبيل الظنّ ، ثم لما تحقق أنه لم يكمل اليوم ، قال ؛ أو بعض يوم . .
والأولى أن لا تكون ، أو ، هنا للترديد ، بل تكون للإضراب ، كأنه قال : بل بعض يوم ، لما لاحت له الشمس أضرب عن الإخبار الأول الذي كان على طريق الظنّ ، ثم أخبر بالثاني على طريق التيقن عنده . .
وفي قوله : أو بعض يوم ، دليل على أنه يطلق لفظ بعض على أكثر الشيء . .
{ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } بل ، لعطف هذه الجملة على الجملة محذوفة التقدير ، قال : ما لبثت هذه المدة بل : لبثت مائة عام . .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم باظهار التاء في : لبثت وقرأ الباقون بالإدغام ، وذلك في جميع القرآن . .
وذكر تعيين المدة هنا في قوله : بل لبثت مائة عام ، ولم يذكر تعيينها في قوله : { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } وإن اشتركوا في جواب : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } لأن المبعوث في البقرة واحد فانحصرت مدّة إماتة الله إياه ، وأولئك متفاوتو اللبث تحت الأرض نحو من مات في أول الدنيا ، ومن مات في آخرها ، فلم ينحصروا تحت عدد مخصوص ، فلذلك أدرجوا تحت قوله : إلاَّ قليلاً ، لأن مدة الحياة الدنيا بالنسبة إلى حياة الآخرة قليلة ، والله تعالى محيط علمه بمدة لبث كل واحد واحد ، فلو ذكر مدة كل واحد واحد لاحتيج في عدة ذلك إلى أسفار كثيرة . .
{ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } في قصة عزير أنه لما نجا من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل دير هرقل