@ 288 @ وهذا هو مفهوم الخطاب ، كما قال تعالى : { وَلاَ * تَقُل لَّهُمَا أُفّ } وقيل : نزه نفسه عن السنة والنوم لما فيها من الراحة ، وهو تعالى لا يجوز عليه التعب والاستراحة . وقيل : المعنى لا يقهره شيء ولا يغلبه ، وفي المثل : النوم سلطان قال الزمخشري : وهو تأكيد للقيوم ، لأن من جاز علمه ذلك استحال أن يكون قيوماً . ومنه حديث موسى أنه سأل الملائكة ، وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية : أينام ربُّنا ؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثاً ولا تتركوه ينام . ثم قال : خذ بيدك قارورتين مملوؤتين ، فأخذهما ، وألقى الله عليه ، النعاس ، فضرب إحداهما عن الأخرى فانكسرتا ، ثم أوحى إليه : قل لهؤلاء إني أمسك السموات والأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزلتا . انتهى . هكذا أورد الزمخشري هذا الخبر ، وفيه أنه سأل الملائكة ، وكان ذلك يعني السؤال من قومه ، كطلب الرؤية ، يعني أن طلب الرؤية هو عنده من باب المستحيل ، كما استحال النوم في حقه تعالى ، وهذا من عادته في نصرة مذهبه ، يذكره حيث لا تكون الآية تتعرض لتلك المسألة . .
وأورد غيره هذا الخبر عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر ، قال وقع في نفس موسى : هل ينام الله ؟ وساق الخبر قريباً من معنى ما ذكره الزمخشري . .
قال بعض معاصرينا : هذا حديث وضعه الحشوية ، ومستحيل أن سأل موسى ذلك عن نفسه أو عن قومه ، لأن المؤمن لا يشك في أن الله ينام أو لا ينام ، فكيف الرسل ؟ انتهى كلامه . .
وفائدة تكرار : لا ، في قوله : ولا نوم ، انتفاؤهما على كل حال ، إذ لو أسقطت ، لا : لااحتمل انتفاؤهما بقيد الاجتماع ، تقول : ما قام زيد وعمرو ، بل أحدهما ، ولا يقال : ما قام زيد ولا عمرو ، بل أحدهما . .
وتقدّم قول من جعل هذه الجملة خبراً لقوله : الحي ، على أن يكون : الحي ، مبتدأ ، ويجوز أن يكون خبراً عن الله ، فيكون قد أخبره بعده إخباراً ، على مذهب من يجيز ذلك ، وجوّز أبو البقاء أن تكون الجملة في موضع الحال من الضمير المستكن في القيوم ، أي : قيوم بأمر الخلق غير غافل . .
{ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ } يصح أن يكون خبراً بعد خبر ، ويصح أن يكون استئناف خبر ، كما يصح ذلك في الجملة التي قبلها . و : ما ، للعموم تشمل كل موجود ، و : اللام ، للملك أخبر تعالى أن مظروف السموات والأرض ملك له تعالى ، وكرر : ما ، للتوكيد . وكان ذكر المظروف هنا دون ذكر الظرف ، لأن المقصود نفي الإلهية عن غير الله تعالى ، وأنه لا ينبغي أن يعبد غيره ، لأن ما عبد من دون الله من الأجرام النيرة التي في السموات : كالشمس ، والقمر ، والشعرى ؛ والأشخاص الأرضية : كالأصنام ، وبعض بني آدم ، كل منهم ملك لله تعالى ، مربوب مخلوق . .
وتقدّم أنه تعالى خالق السموات والأرض ، فلم يذكرهما كونه مالكاً لهما استغناء بما تقدّم . .
{ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } كان المشركون يزعمون أن الأصنام تشفع لهم عند الله ، وكانوا يقولون : إنما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى . وفي هذه الآية أعظم دليل على ملكوت الله ، وعظم كبريائه ، بحيث لا يمكن أن يقدم أحد على الشفاعة عنده إلاَّ باذن منه تعالى ، كما قال تعالى : { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ } ودلت الآية على وجود الشفاعة بإذنه تعالى ، والإذن هنا معناه الأمر ، كما ورد : إشفع تشفع ، أو العلم أو التمكين إن شفع أحد بلا أمر . .
و : من ، رفع على الابتداء ، وهو استفهام في معنى النفي ، ولذلك دخلت : إلاَّ ، في قوله : إلا بإذنه ، وخبر المبتدأ قالوا : ذا ، ويكون الذي نعتاً لذا ، أو بدلاً منه ، وعلى هذا الذي قالوا يكون : ذا ، اسم إشارة ، وفي ذلك بعد ، لأن : ذا ، إذا كان اسم إشارة وكان خبراً عن : من ، استقلت بهما الجملة ، وأنت ترى احتياجها إلى الموصول بعدها . .
والذي يظهر أن : من ، الإستفهامية ركب معها : ذا ، وهو الذي يعبر عنها بعض النحويين أن : ذا ، لغو ، فيكون : من ذا ، كله في موضع رفع بالابتداء ، والموصول بعدهما هو الخبر ، إذ به يتم معنى الجملة الابتدائية ، و : عنده ، معمول : ليشفع ، وقيل : يجوز أن يكون حالاً من الضمير في يشفع ، فيكون التقدير : يشفع مستقراً عنده ، وضعف بأن المعنى