@ 273 @ انفصل ، وجاوزه . قيل : وأصله فصل نفسه ، ثم كثر ، فحذف المفعول حتى صار في حكم غير المتعدّي : كانفصل ، والباء في ، بالجنود ، للحال ، أي : والجنود مصاحبوه ، وكان عددهم سبعين ألفاً ، قاله ابن عباس . أو ثمانين ألفاً قاله عكرمة . أو مائة ألف ، قاله مقاتل . أو ثلاثين ألفاً . .
قال عكرمة : لما رأى بنو اسرائيل التابوت سارعوا إلى طاعته والخروج معه ، فقال لهم طالوت : لا يخرج معي من بنى بناءً لم يفرغ منه ، ولا من تزّوج امرأة لم يدخل بها ، ولا صاحب زرع لم يحصده ، ولا صاحب تجارة لم يرحل بها ، ولا من له أو عليه دين ، ولا كبير ، ولا عليل . فخرج معه من تقدّم الاختلاف في عددهم على شرطه ، فسار بهم ، فشكوا قلة الماء وخوف العطش ، وكان الوقت قيظاً ، وسلكوا مفازة ، فسألوا الله أن يجري لهم نهراً . .
{ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ } قال وهب : هو الذي اقترحوه . وقال ابن عباس ، وقتادة : هو نهر بين الأردن وفلسطين . وقيل : نهر فلسطين ، قاله السدّي ، وابن عباس ، أيضاً . .
وقرأ الجمهور : بنهر ، بفتح الهاء . وقرأ مجاهد ، وحميد الأعرج ، وأبو السماك ، وغيرهم : باسكان الهاء في جميع القرآن . .
وظاهر قول طالوت : ان الله يوحي ، إمالة على قول من قال : إنه نبي ، أو يوحي إلى نبيهم ، وإخبار النبي طالوت بذلك قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون هذا مما ألهم الله طالوت إليه ، فجرت به جنده ، وجعل الإلهام ابتلاء من الله لهم ، ومعنى هذا الابتلاء اختبارهم ، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه يطيع ، فيما عدا ذلك ، ومن غلبته شهوته في الماء ، وعصى الأمر فهو بالعصيان في الشدائد أحرى . انتهى كلامه . وبعد أن يخبر طالوت عن ما خطر بباله بأنه قول الله ، على طريق الجزم عن الله . .
{ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي } أي : ليس من أتباعي في هذه الحرب ، ولا أشياعي ، ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان نحو : ( من غشنا فليس منا ) ، ( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ) ، أو : ليس بمتصل بي ومتحد معي ، من قولهم : فلان مني كأني بعضه ، لاختلاطهما واتحادهما قال النابغة : % ( إذا حاولت في أسد فجورا % .
فإني لست منك ولست مني .
) % .
{ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى } أي : من لم يذقه ، وطعم كل شيء ذوقه ، ومنه التطعم ، يقال : تطعمت منه أي : ذقته ، وتقول العرب لمن لا تميل نفسه إلى مأكول ، تطعم منه يسهل أكله ، قال ابن الانباري : العرب تقول : أطعمتك الماء تريد أذقتك ، وطعمت الماء أطعمه بمعنى ذقته قال الشاعر : % ( فإن شئتُ حرمت النساء عليكم % .
وإن شئتُ لم أطعم نقاخاً ولا برداً .
النقاخ : العذب ، والبرد : النوم ، ويقال : ما ذقت غماضاً . وفي حديث أبي ذر . ( في ماء زمزم . طعام طعم ) وفي الحديث : ( ليس لنا طعام إلاَّ الأسودين : التمر والماء ) . والطعم يقع على الطعام والشراب ، واختير هذا اللفظ لأنه أبلغ ، لأن نفي الطعم يستلزم نفي الشرب ، ونفي الشرب لا يستلزم نفي الطعم ، لأن الطعم ينطلق على الذوق ، والمنع من الطعم أشق في التكليف من المنع من الشرب ، إذ يحصل بإلقائه في الفم ، وإن لم يشربه ، نوع راحة . .
.
) % .
وفي قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } دلالة على ان الماء طعام ، وقد تقدّم أيضاً ما يدل على ذلك . .
واختلف في جريان الرِّبا فيه ، فقال الشافعي : لا يجوز بيع الماء بالماء متفاضلاً ، ولا يجوز فيه الأجل وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف : يجوز ذلك . وحكى ابن العربي : أن الصحيح من