@ 214 @ على ذلك من قول أو فعل ، وإن كان التبين بمعنى خلق البيان ، فلا بد من تخصيص المبين لهم الذين يعلمون بالذكر ، لأن من طبع على قلبه لا يخلق في قلبه التبيين . .
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة نهي الله عباده عن ابتذال اسمه تعالى ، وجعله كثير الترداد ، وعلى ألسنتهم في أقسامهم على بر وتقوى وإصلاح ، فدل ذلك على أن مبالغة النهي عن ذلك في أقسامهم على ما ينافي البر والتقوى والصلاح بجهة الأحرى ، وأَلاولى ، لأن الإكثار من اليمين بالله تعالى فيه عدم مبالاة واكتراث المقسم به ، إذ الأيمان معرضة لحنث الإنسان فيها كثيراً ، وقل أن يرى كثير الحلف إلاَّ كثير الحنث . ثم ختم هذه الآية بأنه تعالى سميع لأقوالهم ، عليم بنياتهم . .
ولما تقدم النهي عن ما ذكرناه ، سامحهم الله تعالى بأن ما كان يسبق على ألسنتهم على سبيل اللغو ، وعدم القصد لليمين ، لا يؤاخذون . به ، وإنما يؤاخذ بما انطوى عليه الضمير ، وكسبه القلب بالتعهد ، ثم ختم هذه الآية بما يدل على المسامحة في لغو اليمين من صفة الغفران والحلم . .
ولما تقدّم كثير من الأحكام مع النساء ذكر حكم الإيلاء مع النساء ، وهو : الحلف على الامتناع من وطئهنّ ، فجعل لذلك مدّة ، وهو أربعة أشهر أقصى ما تصبر المرأة عن زوجها غالباً ، ثم بعد انتظار هذه المدة وانقضائها إن فاء فإن الله غفور لا يؤاخذه بل يسامحه في تلك اليمين ، وإن عزم الطلاق أوقعه . .
ولما جرى ذكر الطلاق استطرد إلى ذكر جملة من أحكامه فذكر عدّة المطلقة وأنها : ثلاثة قروء ، ودل ذكر القرء على أن المراد بالمطلقات هنّ النساء اللواتي يحضن ويطهرن ، ولم يطلقن قبل المسيس ولا هنّ حوامل ، ودل على إرادة هذه المخصصات آيات أخر ، وذكر تعالى أنه لا يحل لهنّ كتمان ما خلق الله في أرحامهنّ ، فعمّ الدم والولد لأنهنّ كنّ يكتمن ذلك لأغراض لهنّ ، وعلق ذلك على الإيمان بالله وهو الخالق ما في أرحامهنّ ، وعلى الإيمان بالله واليوم الآخر وهو الوقت الذي يقع فيه الحساب ، والثواب والعقاب على ما يرتكبه الإنسان من تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرّم الله ، ومخالفته فيما شرع . .
ثم ذكر تعالى أن أزواجهنّ الذين طلقوهنّ أحق بردّهنّ في مدّة العدّة ، وشرط في الأحقية إرادة إصلاح الأزواج ، فدل على أنه إذا قصد برجعتها الضرر لا يكون أحق بالردّ ، ثم ذكر تعالى أن للزوجة حقوقاً على الرجل ، مثل ما أن للرجل حقوقاً على الزوجة ، فكل منهما مطلوب بإيفاء ما يجب عليه ، ثم ذكر أن للرّجل مزيد مزية ودرجة على المرأة ، فيكون حق الرجل أكثر ، وطواعية المرأة له ألزم ، ولم يبين الدرجة ما هي ، ويظهر أنها ما يؤلف من كثرة الطواعية ، والاهتبال بقدره ، والتعظيم له ، لأن قبله بالمعروف وهو الشيء الذي عرفه الناس في عوائدهم من كثرة تودّد المرأة لزوجها وامتثال ما يأمر به وختم هذه الآية يوصف العزة وهي : الغلبة ، والقهر ؛ و : الحكمة ، وهي وضع الشيء موضع ما يليق به ، وهما الوصفان اللذان يحتاج إليهما التكليف . .
ثم ذكر تعالى أن الطلاق الذي يستحق فيه الزوج الرجعة في تلك العدّة ، هو مرتان طلقة بعد طلقة وبعد وقوع الطلقتين ، إمّا أن يردّها ويمسكها بمعروف ، أو يسرحها بإحسان ، ثم ذكر عقب هذا حكم الخلع ، لأن مشروعيته لا تكون إلاَّ قبل وجود الطلقة الثالثة ، وأمّا بعدها فلا ينبغي خلع ، فلذلك جاء بين الطلاق الذي له فيه رجعة ، وبين الطلاق الذي يبت العصمة ، وذكر من أحكامه أنه : لا يحل أخذ شيء من مال الزوجة ، إلاَّ بشرط أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ، ثم أكد ذلك بذكر الخوف أن لا يقيما حدود الله ، فجعل ذلك منهما معاً ، فلو خاف أحدهما لم يجز الخلع ، هذا ظاهر الآية . .
ثم نهى تعالى عن تعدّي حدود الله وتجاوزها ، وأخبر أن من تعدّاها ظالم ، قال تعالى { فَإِن طَلَّقَهَا } يعني : ثلاثة ، والمعنى ، ان أوقع التسريح المردد فيه في قوله : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فهي لا تحل له إلاَّ بعد نكاح زوج غيره ، فإن طلقها الزوج الثاني ، وأراد الأوّل أن يراجعها فله ذلك لكنه شرط في هذا التراجع ظنهما إقامة حدود الله ، فمتى لم يظنا ذلك لم يجز لهما أن يتراجعا ، هذا من الآيات ، ولا يتضح له : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا * مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ * الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الالْبَابِ } . .
2 ( { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُن