@ 206 @ وأنا أخلي سبيلها ، ففعلت ذلك فخلى سبيلها ، وكان أول خلع في الإسلام ، ونزلت الآية . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر تعالى الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان ، اقتضى ذلك أن من الإحسان أن يأخذ الزوج من امرأته شيئاً مما أعطى واستثنى من هذه الحالة قصة الخلع ، فأباح للرجل أن يأخذ منها على ما سنبينه في الآية ، وكما قاله اللهتعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } الآية ، والخطاب في : لكم ، وما بعده ظاهره أنه للأزواج ، لأن الأخذ والإيتاء من الإزواج حقيقة ، فنهوا ان يأخذوا شيئاً ، لأن العادة جرت بشح النفس وطلبها ما أعطت عند الشقاق والفراق ، وجوزوا أن يكون الخطاب للأمة والحكام ليلتئم مع قوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ } لانه خطاب لهم لا للأزواج ، ونسب الأخذ والايتاء إليهم عند الترافع ، لأنهم الذين يمضون ذلك . ومن قال : أنه للأزواج أجاب بأن الخطاب قد يختلف في الجملتين ، فيفرد كل خطاب إلى من يليق به ذلك الحكم ، ولا يستنكر مثل هذا ، ويكون حمل الشيء على الحقيقة إذ ذاك أولى من حمله على المجاز ، { وَمِمَّا } ظاهر في عموم وما أتوا على سبيل الصداق أو غيره من هبة ، وقد فسره بعضهم بالصدقات ، واللفظ عام ، { * وشيئاً } إشارة إلى خطر الأخذ منهن ، قليلاً كان أو كثيراً ، { * وشيئاً } نكرة في سياق النهي فتعم ، و : مما ، متعلق بقوله : تأخذوا ، أو بمحذوف فيكون في موضع نصب على الحال من قوله : شيئاً ، لأنه لو تأخر لكان نعتاً له . .
{ إِلاَّ أَن يَخَافَا * أَن لا * يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } الألف في يخافا ويقيما عائد على صنفي الزوجين ، وهو من باب الالتفات ، لأنه إذا اجتمع مخاطب وغائب ، وأسند إليهما حكم كان التغليب للمخاطب ، فتقول : أنت وزيد تخرجان ، ولا يجوز يخرجان ، وكذلك مع التكلم نحو : أنا وزيد نخرج ، ولما كان الاستثناء بعد مضى الجملة للخطاب جاز الالتفات ، ولو جرى على النسق الأول لكان : إلاَّ أن تخافوا أن لا تقيموا ، ويكون الضمير إذ ذاك عائداً على المخاطبين وعلى أزواجهم ، والمعنى : إلاَّ أن يخافا أي : صنفا الزوجين ، ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من حقوق الزوجية ، بما يحدث من بغض المرأة لزوجها حتى تكون شدة البغض سبباً لمواقعة الكفر ، كما في قصة جميلة مع زوجها ثابت ، { وَأَنْ * يَخَافَا } قيل : في موضع نصب على الحال ، التقدير : إلاَّ خائفين ، فيكون استثناء من الأحوال ، فكأنه قيل : فلا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً في كل حال إلاَّ في حال الخوف أن لا يقيما حدود الله ، وذلك أنّ : أن ، مع الفعل بتأويل المصدر ، والمصدر في موضع اسم الفاعل فهو منصوب على الحال ، وهذا في إجازته نظر ، لأن وقوع المصدر حالاً لا ينقاس ، فأحرى ما وقع موقعه ، وهو : أن الفعل ، ويكثر المجاز فإن الحال إذ ذاك يكون : أن والفعل ، الواقعان موقع المصدر الواقع موقع اسم الفاعل . .
وقد منع سيبويه وقوع : أن والفعل ، حالاً ، نص على ذلك في آخر : هذا باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع اللغات ، والذي يظهر أنه استثناء من المفعول له ، كأنه قيل : ولا يحل لكم أن تأخذوا بسبب من الأسباب إلاَّ بسبب خوف عدم إقامة حدود الله ، فذلك هو المبيح لكم الأخذ ، ويكون حرف العلة قد حذف مع : أن ، وهو جائز فصيحاً كثيراً ، ولا يجيء هنا ، خلاف الخليل وسيبويه أنه إذا حذف حرف الجر من : أن ، هل ذلك في موضع نصب أو في موضع جر ؟ بل هذا في موضع نصب ، لأنه مقدر بالمصدر لو صرح به كان منصوباً ، واصلاً إليه العامل بنفسه ، فكذلك هذا المقدر به ، وهذا الذي ذكرناه من أنَّ : أن والفعل ، إذا كانا في موضع المفعول من أجله ، فالموضع نصب لا غير ، منصوص عليه من النحويين ، ووجهه ظاهر . .
ومعنى الخوف هنا الإيقان ، قاله أبو عبيدة ، أو : العلم أي إلاَّ أن يعلما ، قاله ابن سلمه ، وإياه أراد أبو محجن ، بقوله :