@ 200 @ العلم أنه إذا راجعها مضاراً في الرجعة ، مريداً لتطويل العدة عليها أن رجعته صحيحة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ } قالوا : فدل ذلك على صحة الرجعة ، وإن قصد الضرر ، لأن المراجعة لم تكن صحيحة إذا وقعت على وجه الضرار لما كان ظالماً بفعلها . .
قال الماوردي : في الإصلاح المشار إليه وجهان : أحدهما : إصلاح ما بينهما من الفساد بالطلاق ؛ الثاني : القيام لما لكل واحد منهما على صاحبه من الحق إنتهى كلامه . .
قالوا : ويستغني الزوج في المراجعة عن الولي ، وعن رضاها ، وعن تسمية مهر ، وعن الإشهاد على الرجعة على الصحيح ، ويسقط بالرجعة بقية العدة ، ويحل جماعها في الحال ، ويحتاج في اثبات هذا كله إلى دليل واضح من الشرع ، والذي يظهر لي أن المرأة بالطلاق تنفصل من الرجل ، فلا يجوز له أن تعود إليه ، إلا بنكاح ثان ، ثم إذا طلقها وأراد أن ينكحها ، فإما أن يبقى شيء من عدتها ، أو لا يبقى إن بقي شيء من عدتها فله أن يتزوجها دون انقضاء عدتها منه إن أراد الإصلاح ، ومفهوم الشرط أنه إذا أراد غير الإصلاح لا يكون له ذلك ، وإن انقضت عدتها استوى هو وغيره في جواز تزويجها ، وإما أن تكون قد طلقت وهي باقية في العدة فيردها من غير اعتبار شروط النكاح ، فيحتاج إثبات هذا الحكم إلى دليل واضح كما قلناه ، فإن كان ثم دليل واضح من نص أو إجماع ، قلنا به ، ولا يعترض علينا بأن له الرجعة على ما وصفوا ، وإن ذلك من أوليات الفقه التي لا يسوغ يالنزاع فيها ، وأن كل حكم يحتاج إلى دليل . .
{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } هذا من بديع الكلام ، إذ حذف شيئاً من الأول أثبت نظيره في الآخر ، وأثبت شيئاً في الأول حذف نظيره في الآخر ، وأصل التركيب ولهنّ على أزواجهنّ مثل الذي لأزواجهنّ عليهنّ ، فحذفت على أزواجهنّ لإثبات : عليهنّ ، وحذف لأزواجهنّ لإثبات لهنّ . .
واختلف في هذه المثلية ، فقيل : المماثلة في الموافقة والطواعية ، وقال معناه الضحاك ؛ وقيل : المماثلة في التزين والتصنع ، وقاله ابن عباس ، وقال : أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لهذه الآية ؛ وقيل : المماثلة في تقوى الله فيهنّ ، كما عليهنّ أن يتقين الله فيهم ، ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم ) بقوله : ( إتقوا الله في النساء فإنهنّ عندكم عوان أي : أسيرات ، قاله ابن زيد ؛ وقيل : المماثلة معناها أن لهنّ من النفقة والمهر وحسن العشرة وترك الضرار مثل الذي عليهنّ من الأمر والنهي فعلى هذا يكون المماثلة في وجوب ما يفعله الرجل من ذلك ، ووجوب امتثال المرأة أمره ونهيه ، لا في جنس المؤدي والممتثل ، إذ ما ما يفعله الرجل محسوس ومعقول ، وما تفعله هي معقول ، ولكن اشتركا في الوجوب ، فتحققت المثلية وقيل : الآية في جميع حقوق الزوج على الزوجة ، وحقوق الزوجة على الزوج . .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ) أنه سئل عن حق المرأة على الزوج فقال : ( أن يطعمها إذا طعم ، ويكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ، ولا يهجر إلاَّ في البيت ) وفي حديث الحج عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال في خطبة يوم عرفة : ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله تبارك وتعالى ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله ، ولكم عليهنّ أن لا يواطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلنّ ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مبرح ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف ) . . .
ومثل ، مبتدأ ، و : لهنّ ، هو في موضع الخبر ، و : بالمعروف ، يتعلق به : لهنّ ، أي : ومثل الذي لأزواجهنّ عليهنّ كائن لهنّ على أزواجهنّ ، وقيل : بالمعروف ، هو في موضع الصفة : لمثل ، فهو في موضع رفع ، وتتعلق إذ ذاك بمحذوف . .
ومعنى : بالمعروف أي : بالوجه ، الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس ولا يكلف أحدهما الآخر من الأشغال ما ليس معروفاً له ، بل يقابل كل منهما صاحبه بما يليق به . .
{ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } أي : مزية وفضيلة في الحق ، أتى بالمظهر عوض المضمر إذ كان لو أتى على المضمر لقال : ولهم عليهنّ درجة ، للتنويه بذكر الرجولية التي بها ظهرت المزية للرجال على النساء ، ولما كان يظهر في الكلام بالإضمار من تشابه الألفاظ ، وأنت تعلم ما في ذاك ، إذ كان يكون : ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف ولهم عليهنّ درجة ، ولقلق الإضمار حذف مضمران ومضافان من الجملة الأولى . .
والدرجة هنا : فضله