@ 190 @ والمعلول ، وجاءتا على ترتيب ما سبق من تقديم السمع على العلم ، كما قدم الحلف على الإرادة . .
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ } مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، لأنه تعالى لما نهى عن جعل الله معرضاً للأيمان ، كان ذلك حتماً لترك الأيمان وهم يشق عليهم ذلك ، لأن العادة جرت لهم بالأيمان ، فذكر أن ما كان منها لغواً فهو لا يؤاخذ به ، لأنه مما لا يقصد به حقيقة اليمين ، وإنما هو شيء يجري على اللسان عند المحاورة من غير قصد ، وهذا أحسن ما يفسر به اللغو ، لأنه تعالى جعل مقابلة ما كسبه القلب وهو ماله فيه اعتماد وقصد . .
واختلفت أقوال المفسرين في تفسير لغو اليمين ، فقال أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، والسدي عن أشياخه ، ومالك في أشهر قوليه ، وأبو حنيفة : هو الحلف على غلبة الظن ، فيكشف الغيب خلاف ذلك ؛ وقالت عائشة ، وابن عباس أيضاً ، وطاووس ، والشعبي ، ومجاهد ، وأبو صالح ، والشافعي : هو ما يجرى على اللسان في درج الكلام والاستعجال : لا والله ، وبلى والله ، من غير قصد لليمين ؛ وهو أحد قولي مالك . وقال سعيد بن جبير ، وابن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وابنا الزبير عبد الله وعروة : هو الحلف على فعل المعصية ، إلاَّ أن ابن جبير قال : لا يفعل ويكفر ، وباقيهم قالوا : لا يفعل ولا كفارة عليه ، وقال ابن عباس أيضاً . وعلي ، وطاووس : هو الحلف في حال الغضب . وقال النخعي : هو الحلف على شيء ينساه ، وقال ابن عباس أيضاً ، والضحاك : هو ما تجب فيه الكفارة إذا كفرت سقطت ، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها ، والرجوع إلى الذي هو خير ؛ وقال مكحول ، وابن جبير أيضاً ، وجماعة : هو أن يحرم على نفسه ما أحل الله ، كقوله : مالي عليّ حرام إن فعلت كذا ، والحلال عليّ حرام ، وقال بهذا القول مالك إلاَّ في الزوجة ، فألزم فيها التحريم ألاَّ أن يخرجها الحالف بقلبه ، وقال زيد ابن أسلم وابنه : هو دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك ، هو لغية ، إن فعل كذا ، وقال مجاهد : هو حلف المتبايعين ، يقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر : والله ما أشتريه إلاَّ بكذا ، وقال مسروق : هو ما لا يلزمه الوقاية ، وروي عنه ، وعن الشعبي : أنه الحلف على المعصية ؛ وقيل : هو يمين المكره ، حكاه ابن عبد البر . .
وهذه الأقوال يحتملها لفظ اللغو ، إلاَّ أن الأظهر هو ما فسرناه أولاً ، لأنه قابله كسب القلب ، وهو تعمده للشيء ، فجميع الأقوال غيره ينطبق عليها أنها كسب القلب ، لأن للقلب قصداً إليها : ونفي الوحدة يدل على أنه لا إثم ولا كفارة ، فيضعف قول من قال : إنها تختص بالإثم ، ويفسر اللغو باليمين المكفرة ، وسئل الحسن عن اللغو ، والمسبية ذات الزوج ، فوثب الفرزدق وقال : أما سمعت ما قلت : % ( ولست بمأخوذ بشيء تقوله % .
إذا لم تعمد عاقدات العزائم .
) % .
وما قلت : % ( وذات حليل أنكحتنا رماحنا % .
حلالاً ، ولولا سبيها لم تطلق .
) % .
فقال الحسن : ما اذكاك لولا حنثك . .
باللغو : متعلق : بيؤاخذكم ، والباء سببية ، مثلها في { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } : وفي إيمانكم ، متعلق بالفعل ، أو بالمصدر ، أو بمحذوف ، أي : كائناً في أيمانكم ، فيكون حالاً ، ويقر به أنك لو جعلته في صلة : الذي ، ووصفت به اللغو لاستقام . .
{ وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } أي باليمين التي للقلب فيها كسب ، فكل يمين عقدها القلب فهي