@ 188 @ قول من قال : نزلت في عبد الله بن رواحة ، أو في أبي بكر على ما تقدم في سبب النزول ، فيكون المعنى : أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم ، وإصلاح ذات بين ، أو إحسان الى أحد ، أو عبادة ، ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يميني ، فيترك البر في يمينه ، فنهوا أن يجعلوا الله حاجزاً لما حلفوا عليه . .
{ لاِيْمَانِكُمْ } تحتمل اللام أن تكون متعلقة ، بعرضة ، فتكون كالمقوية للتعدي ، أو معداً ومرصداً لأيمانكم ، ويحتمل أن تكون متعلقة بقوله : { وَلاَ تَجْعَلُواْ } فتكون للتعليل ، أي : لا تجعلوا الله عرضة لأجل أيمانكم . .
والظاهر أن المراد بالأيمان هنا الاقتسام ، لا المقسم عليه ، وقال الزمخشري : أي : حاجزاً لما حلفتم عليه ، وسمي المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ) لعبد الرحمن بن سمرة : ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك ) أي : على شيء مما يحلف عليه إنتهى كلامه ولا حاجة هنا للخروج عن الظاهر وإنما احتيج في الحديث إلى أنه أطلق اليمين ، ويراد بها متعلقها ، لأنه قال : إذا حلفت على يمين ، فععّدى حلفت بعلى ، فاحتيج إلى هذا التأويل ، وليس في الآية ما يحوج إلى هذا التجويل ، لكن الزمخشري لما حمل : عرضة ، على أن معناه حاجزاً ومانعاً ، اضطر إلى هذا التأويل . .
{ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ } قال الزجاج ، وتبعه التبريزي : أن تبروا ، في موضع رفع بالابتداء ، قال الزجاج والمعنى : بركم وتقواكم وإصلاحكم أمثل وأولى ، وجعل الكلام منتهياً عند قوله : لأيمانكم ، ومعنى الجملة التي فيها النهي عنده أنها في الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله ، فقال : علي يمين ، وهو لم يحلف ، وقدر التيريزي خبر المبتدأ المحذوف بأن المعنى : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس خير لكم من أن تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ، وهذا الذي ذهب إليه الزجاج والتبريزي ضعيف ، لأن فيه اقتطاع : أن تبروا ، مما قبله ، والظلم هو اتصاله به ، ولأن فيه حذفاً لا دليل عليه وقال الزمخشري : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا ، عطف بيان لأيمانكم ، أي للأمور المحلوف عليها التي هي : البر والتقوى والإصلاح بين الناس إنتهى كلامه وهو ضعيف ، لأن فيه مخالفة للظاهر ، لأن الظاهر من الأيمان هي الأقسام ، والبر والتقوى والإصلاح هي المقسم عليها ، فهما متباينان ، فلا يجوز أن يكون عطف بيان على الإيمان ، لكنه لما تأول الأيمان على أنها المحلوف عليها ، ساغ له ذلك ، وقد بينا أنه لا حاجة تدعونا إلى تأويل الأيمان بالأشياء المحلوف عليها ، وعلى مذهبه تكون : أن تبروا ، في موضع جر ، ولو أدعى أن يكون : أن تبروا ، وما بعده بدلاً من : أيمانكم ، لكان أولى ، لأن عطف البيان أكثر ما يكون في الأعلام . .
وذهب الجمهور إلى أن قوله : أن تبروا ، مفعول من أجله ، ثم اختلفوا في التقدير ، فقيل : كراهة أن تبروا ، قاله المهدوى ، أو لترك أن تبروا ، قاله المبرد ، وقيل : لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا ، قال أبو عبيدة ، والطبري كقوله : .
فخالف فلا والله تهبط تلعة .
أي : لا تهبط ، وقيل : ارادة تبروا ، والتقادير الأول متلاقية حيث المعنى ، وروي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن جريج ، وابراهيم ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج ، في آخر من روي عنهم أن المعنى : لا تحلفوا بالله أن لا تبروا ، فيتعلق بقوله : ولا تجعلوا ، ولا يظهر هذا المعنى لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البر ، بل وقوع الحلف معلل بانتفاء البر ، ولا ينعقد منه شرط ، وجزاء لو قلت في معنى هذا النهي