@ 115 @ للمحاسب وما عليه قبل حسابه ، قاله الزجاج . أو : لكون حساب العالم كحساب رجل واحداً ، و : لقرب مجيء الحساب ، قاله مقاتل . .
قيل : كنى بالحساب عن المجازاة على الأعمال إذا كانت ناشئة عنها كقوله : { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } يعنى ما جزائي ، وقيل : كنى بالحساب عن العلم بمجاري الأمور ، لأن الحساب يفضي إلى العلم ، قاله الزجاج أيضاً . .
وقيل : عبر بالحساب عن القبول لدعاء عباده ، وقيل : عبر به عن القدرة والوفاء ، أي : لا يؤخر ثواب محسن ولا عقاب مسيء . وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : سريع مجيء يوم الحساب . فالمقصود بالآية الإنذار بسرعة يوم القيامة . وقيل : سرعة الحساب تعالى رحمته وكثرتها ، فهي لا تغب ولا تنقطع . وروي ما يقاربه عن ابن عباس . .
وظاهر سياق هذا الكلام عموم الحساب للكافر والمؤمن إذ جاء بعد ما ظاهره أنه للطائعين ، ويكون حساب الكفار تقريعاً وتوبيخاً ، لأنه ليس له حسنة في الآخرة يجزىء بها ، وهو ظاهر قوله : { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } وقال الجمهور : الكفار لا يحاسبون ، قال تعالى : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً } { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } وظاهر ثقل الموازين وخفتها ، وما ترتب عليهاف ي الآيات الواردة في القرآن شمول الحسنات للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر . .
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة : أن الحج له أشهر معلومات ، وجمعها على أشهر لقلتها ، وهي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة . بكمالها ، على ما يقتضيه ظاهر الجمع ، ووصفها : بمعلومات ، لعلمهم بها . وأخبر تعالى أن من ألزم نفسه الحج فيها فلا يرفت ولا يفسق ولا يجادل ، فنهاه عن مفسد الحج مما كان جائزاً قبله ، وما كان غير جائز مطلقاً ليسوي بين التحريمين ، وإن كان أحدهما مؤقتاً ، والآخر ليس بمؤقت . ثم لما نهى عن هذه المفسدات ، أخبر تعالى أن ما يفعله الإنسان من الخير الذي فرض الحج منه يعلمه الله ، فهو تعالى يثيب عليه . ثم أمر تعالى بالتزوّد للدّار الآخرة بأعمال الطاعات ، ودخل فيها ما هم ملتبسون به من الحج ، وأخبر أن خير الزاد هو ما كان وقاية بينك وبين النار ، ثم نادى ذوي العقول ، الذين هم أهل الخطاب ، وأمرهم باتقاء عقابه ، لأنه قد تقدّم ذكر المناهي ، فناسب أن ينتهوا على اتقاء عذاب الله بالمخالفة فيما نهى عنه ، ثم أنه لما كان الحاج مشغولاً بهذه العبادة الشاقة ، ملتبساً بأقوالها وأفعالها ، كان مما يتوهم أنها لا يمزج وقتها بشيء غير أفعالها ، فبين تعالى أنه لا حرج على من ابتغى فيها فضلاً بتجارة ، أو إجارة ، أو غير ذلك من الأعمال المعينة على كلف الدنيا ، ثم أمرهم تعالى بذكره عند المشعر الحرام إذا أفاضوا من عرفات ، ليرجعهم بذكره إلى الاشتغال بأفعال الحج ، لئلا يستغرقهم التعلق بالتجارات والمكاسب ، ثم أمرهم بالذكر على هدايته التي منحها إياهم ، وقد كانوا قبل في ضلال ، فاصطفاهم للهداية ، ثم أمرهم بأن يفيضوا من حيث أفاض الناس ، وهي التي جرت عادة الناس بأن يفيضوا منها ، وذلك المكان هو عرفة ، والمعنى أنهم أمروا أن يكونوا تلك الإِفاضة السابقة من عرفة لا من غيرها ، كما ذكر في سبب النزول . وأتى بثم لا لترتيب في الزمان ، بل للترتيب في الذكر ، لا في الوقوع . .
ثم أمر بالاستغفار ، ثم أمر بعد أداء المناسك يذكر الله تعالى ، ولما كان الإِنسان كثيراً ما يذكر أباه ويثني عليه بما أسلفه من كريم المآثر ، وكان ذلك عندهم الغاية في الذكر ، مثل ذكر الله بذلك الذكر ، ثم أكد مطلوبية المبالغة في الذكر بقوله : أو أشدّ ، ليفهم أن ما مثل به أولاً ليس إلاّ على طريق ضرب المثل لهم ؛ والمقصود أن لا يغفلوا عن ذكر الله تعالى طرفة عين . .
ثم قسم مقصد الحاج إلى دنيويّ صرف ، وإلى دنيويّ وأخروي ، وبيّن ذلك في سؤاله ، إياه وذكر أن من اقتصر على دنياه فإنه لا حظ له في الآخرة ، ثم أشار إلى مجموع الصنفين بأن كلا منهما له مما كسب من أعمال حظ ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وأنه تعالى حسابه سريع ، فيجازي العبد بما كسب . .
2 ( { وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّر