@ 114 @ يقتضي أن من دخل الجنة ، ولو آخر الناس ، صدق عليه أنه : أوتي في الآخرة حسنة ، قد دعوا الله تعالى أن يكونوا مع دخول الجنة يقيهم عذاب النار ، فكأنه دعاء بدخول الجنة أولاً دون عذاب ، وأنهم لا يكونون ممن يدخل النار بمعاصيهم ويخرجون منا بالشفاعة . ويحتمل أن يكون مؤكداً لطلب دخول الجنة ، كما قال بعض الصحابة . .
إنما أقول في دعائي : اللهم أدخلني الجنة ، وعافني من النار ، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( حولها ندندن ) . .
{ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } تقدّم انقسام الناس إلى فريقين : فريق اقتصر في سؤآله على دنياه ، وفريق أشرك في دنياه أخراه ، فالظاهر أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، إذ المحكوم به ، وهو كون : نصيب لهم مما كسبوا ، مشترك بينهما ، والمعنى : أن كل فريق له نصيب مما كسب ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . ولا يكون الكسب هنا الدعاء ، بل هذا مجرد إخبار من الله بما يؤول إليه أمر كل واحد من الفريقين ، وأن انصباءهم من الخير والشر تابعة لاكسابهم . .
وقيل : المراد بالكسب هنا الدعاء ، أي : لكل واحد منهم نصيب مما دعا به . وسمي الدعاء كسباً لأنه عمل ، فيكون ذلك ضماناً للإجابة وعداً منه تعالى أنه يعطي كّلاً منه نصيباً مما اقتضاه دعاؤه ، إما الدنيا فقط ، وإما الدنيا والآخرة ، فيكون كقوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاْخِرَةِ } { وَمَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ } و { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } الآيات . .
وكما جاء في الصحيح : وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا ما عمل لله بها ، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها . وفي المعنى الأول لا يكون فيه وعد بالإجابة . .
و : من ، في قوله : مما كسبوا ، يحتمل أن تكون للتبعيض ، أي : نصيب من جنس ما كسبوا ، ويحتمل أن يكون للسبب ، و : ما ، يحتمل أن تكون موصولة لمعنى الذي أو موصولة مصدرية أي : من كسبهم ، وقيل : أولئك ، مختص بالإشارة إلى طالبي الحسنتين فقط ، ولم يذكر ابن عطية غيره . وذكره الزمخشري بإزائه . .
قال ابن عطية : وعد على كسب الأعمال الصالحة في صيغة الإخبار المجرد ، وقال الزمخشري : أولئك الداعون بالحسنتين لهم نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة ، وهو الثواب الذي هو منافع الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا ، كقوله : مما خطاياهم اغرقوا ، ثم قال بعد كلام : ويجوز أن يكون أولئك الفريقين جميعاً ، وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا . انتهى كلامه . .
والأظهر ما قدمناه من أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، ويؤيده قوله : { وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } وهذا ليس مما يختص به فريق دون فريق ، بل هذا بالنسبة لجميع الخلق ، والحساب يعم محاسبة العالم كلهم ، لا محاسبة هذا الفريق الطالب الحسنتين . .
وروي عن ابن عباس : أن النصيب هنا مخصوص بمن حج عن ميت ، يكون الثواب بينه وبين الميت ، وروي عنه أيضاً ، في حديث الذي سأل هل يحج عن أبيه . وكان مات ؟ وفي آخره ، قال : فهل لي من أجر ؟ فنزلت هذه الآية ، قيل : وإذا صح هذا فتكون الآية منفصلة عن التي قبلها ، معلقة بما قبله من ذكر الحج ومناسكه وأحكامه . انتهى . وليست كما ذكر منفصلة ، بل هي متصلة بما قبلها ، لأن ما قبلها هو في الحج ، وأن انقسام الفريقين هو في الحج ، فمنهم من كان يسأل الله الدنيا فقط ، ومنهم من يسأل الدنيا والآخرة . وحصل الجواب للسائل عن حجه عن أبيه : أله فيه أجر ؟ لعموم قوله : { أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } وقد أجاب ابن عباس بهذه الآية من سأله أن يكرى دابته ويشرط عليهم أن يحج ، فهل يجزى عنه ؟ وذلك لعموم قوله : { أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } . .
{ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } ظاهره الإخبار عنه تعالى بسرعة حسابه ، وسرعته بانقضائه عجلاً كقصد مدته ، فروى : بقدر حلب شاة ، وروي بمقدار فواق ناق ، وروي بمقدار لمحة البصر . أو لكونه لا يحتاج إلى فكر ، ولا رؤية كالمعاجز ، قاله أبو سليمان . أو : لما علم ما