@ 56 @ هن سكن لكم ، أي : يسكن بعضكم إلى بعض ، كقوله : { وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً } وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل هي مستأنفة كالبيان لسبب الإحلال ، وهو عدم الصبر عنهنّ لكونهنّ لكم في المخالطة كاللباس ، وقدّم : هنّ لباس لكم ، على قوله : وأنتم لباس لهنّ ، لظهور احتياج الرجل إلى المرأة وقلة صبره عنها ، والرجل هو البادىء بطلب ذلك الفعل ، ولا تكاذ المرأة تطلب ذلك الفعل ابتداء لغلبة الحياء عليهن حتى إن بعضهن تستر وجهها عند المواقعة حتى لا تنظر إلى زوجها حياء وقت ذلك الفعل . .
جمعت الآية ثلاثة أنواع من البيان : الطباق المعنوي ، بقوله : { أُحِلَّ لَكُمُ } ، فإنه يقتضي تحريماً سابقاً ، فكأنه أحل لكم ما حرّم عليكم ، أو ما حرّم على من قبلكم ، والكناية بقوله : الرفث ، وهو كناية عن الجماع ، والاستعارة البديعة بقوله : هنّ لباس لكم ، وأفرد اللباس لأنه كالمصدر ، تقول : لابست ملابسةً ولباساً . .
{ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } : إن كانت : عَلِم ، معداة تعدية عرف ، فسدت أن مسد المفعول ، أو التعدية التي هي لها في الأصل ، فسدّت مسدّ المفعولين ، على مذهب سيبويه ، وقد تقدم لنا نظير هذا . وتختاتون : هو من الخيانة ، وافتعل هنا بمعنى فعل ، فاختان . بمعن : خان ، كاقتدر بمعنى : قدر . .
قيل وزيادة الحرف تدل على الزيادة في المعنى ، والاختيان هنا معبر به عما وقفوا فيه من المعصية بالجماع ، وبالأكل بعد النوم ، وكان ذلك خيانة لأنفسهم ، لأن وبال المعصية عائد على أنفسهم ، فكأنه قيل : تظلمون أنفسكم وتنقصون حقها من الخير ، وقيل : معناه ، تستأثرون أنفسكم فيما نهيتم عنه ، وقيل : معناه : تتعهدون أنفسكم بإتيان نسائكم . .
يقال : تخون ، وتخوّل ، بمعنى : تعهد ، فتكون النون بدلاً من اللام لأنه باللام أشهر . وقال أبو مسلم : هي عبارة عن عدم الوفاء بما يجب عليه من حق النفس ، ولذلك قال : أنفسكم ، ولم يقل : الله ، وظاهر الكلام وقوع الخيانة منهم لدلالة كان على ذلك ، وللنقل الصحيح في حديث الجماع وغيره ، وقيل : ذلك على تقدير ولم يقع بعد ، والمعنى : تختانون أنفسكم لو دامت تلك الحرمة ، وهذا فيه ضعف لوجود : كان ، ولأنه إضمار لا يدل عليه دليل ، ولمنافاة ظاهر قوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ } . .
{ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي : قَبِل توبتكم حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور ، وقيل : معناه خفف عنكم بالرخصة والإباحة كقوله : { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ اللَّهِ } { لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ } معناه كله التخفيف ، وقيل : معناه أسقط عنكم ما أفترضه من تحريم الأكل والشرب والجماع بعد العشاء ، أو بعد النوم على الخلاف ، وهذا القول راجع لمعنى القول . الثاني : { وَعَفَا عَنكُمْ } أي : عن ذنوبكم فلا يؤاخذكم ، وقبول التوبة هو رفع الذنب كما قال صلى الله عليه وسلم ) : ( التوبة تمحو الحوبة والعفو تعفية أثر الذنب ) فهما راجعان إلى معنى واحد ، وعاقب بينهما للمبالغة ، وقيل : المعنى ، سهل عليكم أمر النساء فيما يؤتنف ، أي : ترك لكم التحريم ، كما تقول : هذا شيء معفو عنه ، أي : متروك ، ويقال : أعطاه عفواً أي سهلاً لم يكلفه إلى سؤال ، وجرى الفرس شأوين عفواً ، أي : من ذاته غير إزعاج واستدعاء بضرب بسوط ، أو نخس بمهماز . .
{ فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ } تقدم الكلام على ، الآن ، في قوله : { قَالُواْ الئَانَ جِئْتَ بِالْحَقّ } أي : فهذا الزمان ، أي : ليلة الصيام باشروهن ، وهذا أمر يراد به الإباحة لكونه ورد بعد النهي ، ولأن الإجماع انعقد عليه ، والمباشرة في قول الجمهور : الجماع ، وقيل : الجماع فما دونه ، وهو مشتق من تلاصق البشرتين ، فيدخل فيه المعانقة والملامسة . وإن قلنا : المراد به هنا الجماع ، لقوله : الرفث ، ولسبب النزول ، فإباحته تتضمن إباحة ما دونه . .
{ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } أي : اطلبوا ، وفي تفسير : ما كتب الله ، أقوال . .
أحدهما : أنه الولد ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، والربيع ، والسدي ، والحكم بن عتيبة : لما أبيحت لهم المباشرة أمروا بطلب ما قسم الله لهم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد ، وكأنه أبيح لهم ذلك لا لقضاء الشهوة فقط ، لكن لابتغاء ما شرع الله النكاح له