@ 10 @ بعهودهم على الجمع . .
{ وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ } : انتصب : والصابرين على المدح ، والقطع إلى الرفع أو النصب في صفات المدح والذم والترحم ، وعطف الصفات بعضها على بعض مذكور في علم النحو . .
وقرأ الحسن ، والأعمش ، ويعقوب : والصابرون ، عطفاً على : الموفون ، وقال الفارسي : إذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح والذم ، والأحسن أن تخالف بإعرابها ولا تجعل كلها جارية على موصوفها ، لأن هذا الموضع من مواضع الإطناب في الوصف ، الإبلاغ في القول ، فإذا خولف بإعراب الأوصاف كان المقصود أكمل ، لأن الكلام عند الاختلاف يصير كأنه أنواع من الكلام ، وضروب من البيان ، وعند الاتحاد في الإعراب يكون وجهاً واحداً و جملة واحدة . انتهى كلامه . .
قال الراغب : وإنما لم يقل : ووفى ، كما قال : وأقام ، لأمرين : أحدهما : اللفظ ، وهو أن الصلة متى طالت كان الأحسن أن يعطف على الموصول دون الصلة لئلا يطول ويقبح ، والثاني : أنه ذكر في الأول ما هو داخل في حيز الشريعة ، وغير مستفاد إلاَّ منها ، والحكمة العقلية تقضي العدالة دون الجور ، ولما ذكر الوفاء بالعهد ، وهو مما تقضي به العقود المجردة ، صار عطفه على الأول أحسن ، ولما كان الصبر من وجه مبدأ الفضائل ، ومن وجه جامعاً للفضائل ، إذ لا فضيلة إلاَّ وللصبر فيها أثر بليغ ، غيرَّ إعرابه تنبيهاً على هذا المقصد . انتهى كلامه . .
واتفقوا على تفسير قوله { حِينٍ * الْبَأْسَ } أنه : حالة القتال . .
واختلف المفسرون في البأساء والضراء ، فأكثرهم على أن البأساء هو الفقر وان الضراء الزمانة في الجسد ، وإن اختلفت عبارتهم في ذلك ، وهو قول ابن مسعود ، وقتادة ، والربيع ، والضحاك . .
وقيل : البأساء : القتال ، والضراء : الحصار ، ذكره الماوردي . وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى أشد ، فذكر أولاً الصبر على الفقر ، ثم الصبر على المرض وهو أشد من الفقر ، ثم الصبر على القتال وهو أشد من الفقر والمرض . .
قال الراغب : استوعب أنواع الصبر لأنه إما أن يكون فيما يحتاج إليه من القوت فلا يناله ، وهو : البأساء ، أو فيما ينال جسمه من ألم وسقم ، وهو : الضراء في مدافعة مؤذية ، وهو : البأساء . انتهى كلامه . .
وعدى الصابرين إلى البأساء والضراء بفي لأنه لا يمدح الإنسان على ذلك إلاَّ إذا صار له الفقر والمرض كالظرف ، وأما الفقر وقتاً ما ، أو المرض وقتاً ما ، فلا يكاد يمدح الإنسان بالصبر على ذلك لأن ذلك قلَّ أن يخلو منه أحد . وأما القتال فعدّى الصابرين إلى ظرف زمانه لأنها حالة لا تكاد تدوم ، وفيها الزمان الطويل في أغلب أحوال القتال ، فلم تكن حالة القتال تعدى إليها بفي المقتضية للظرفية الحسية التي نزل المعنى المعقول فيها ، كالجرم المحسوس ، وعطف هذه الصفات في هذه الآية بالواو يدل على أن من شرائط البر استكمالها وجمعها ، فمن قام بواحدة منها لم يوصف بالبر ، ولذلك خص بعض العلماء هذا بالأنبياء عليهم السلام ، قال : لأن غيرهم لا يجتمع فيه هذه الأوصاف كلها ، وقد تقدم الكلام على ذلك . .
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } أشار : بأولئك ، إلى الذين جمعوا تلك الأوصاف الجلية ، من الاتصاف بالإيمان وما بعده ، وقد تقدم لنا أن اسم الإشارة يؤتى به لهذا المعنى ، أي : يشار به إلى من جمع عدة أوصاف سابقة ، كقوله : { أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مّن رَّبّهِمْ } والصدق هنا يحتمل أن يراد به الصدق في الأقوال فيكون مقابل الكذب والمعنى : أنهم يطابق أقوالهم ما انطوت عليه قلوبهم من الإيمان والخبر فإذا أخبروا بشيء كان صدقاً لا يتطرق إليه الكذب ، ومنه : ( لا يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله صادقاً ، ولا يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذاباً ) . .
ويحتمل أن يراد بالصدق : الصدق في الأحوال ، وهو مقابل الرياء أي : أخلصوا أعمالهم لله تعالى دون رياء ولا سمعة ، بل قصدوا وجه الله تعالى ، وكانوا عند الظن بهم ، كما تقول صدقني الرمح ، أي : وجدته عند اختباره كما اختار وكما اظن به ، والتقوى هنا اتقاء عذاب الله بتجنب معاصيه ، وامتثال طاعته . .
وتنوع هنا