@ 670 @ تقديره : فعلنا ذلك ، وتكون الباء في بأن الله متعلقة بذلك الفعل المحذوف . وقيل : مرفوع ، واختلفوا ، أهو فاعل ، والتقدير : وجب ذلك لهم ؟ أم خبر مبتدأ محذوف ، التقدير : الأمر ذلك ؟ أي ما وعدوا به من العذاب بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق . فاختلفوا ، أم مبتدأ ، والخبر قوله : { بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ } ؟ أي ذلك مستقر ثابت بأن الله نزل الكتاب بالحق ، ويكون ذلك إشارة إلى أقرب مذكور ، وهو العذاب ، ويكون الخبر ليس مجرد تنزيل الله الكتاب بالحق ، بل ما ترتب على تنزيله من مخالفته وكتمانه ، وأقام السبب مقام المسبب . والتفسير المعنوي : ذلك العذاب حاصل لهم بكتمان ما نزل الله من الكتاب المصحوب بالحق ، أو الكتاب الذي نزله بالحق . وقال الأخفش : الخبر محذوف تقديره : ذلك معلوم بأن الله ، فيتعلق الباء بهذا الخبر المقدر ، والكتاب التوراة والإنجيل ، أو القرآن ، أو كتب الله المنزلة على أنبيائه ، أو ما كتب عليهم من الشقاوة بقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } ، فيكون الكتاب بمعنى الحكم والقضاء ، أقوال أربعة . بالحق ، قال ابن عباس : بالعدل . وقال مقاتل : ضد الباطل . وقال مكي : بالواجب ، وحيثما ذكر بالحق فهو الواجب . .
{ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِى الْكِتَابِ } ، قيل : هم اليهود ، والكتاب : التوراة ، واختلافهم : كتمانهم بعث عيسى ، ثم بعث محمد صلى الله عليه وسلم ) . آمنوا ببعض ، وهو ما أظهروه ، وكفروا ببعض ، وهو ما كتموه . وقيل : هم اليهود والنصارى ، قاله السدي ؛ واختلاف كفرهم بما قصه الله تعالى من قصص عيسى وأمه عليهما السلام ، وبإنكار الإنجيل ، ووقع الاختلاف بينهم حتى تلاعنوا وتقاتلوا . وقيل : كفار العرب ، والكتاب : القرآن . قال بعضهم : هو سحر ، وبعضهم : هو أساطير الأولين ، وبعضهم : هو مفترى إلى غير ذلك . وقيل : أهل الكتاب والمشركون . قال أهل الكتاب : إنه من كلام محمد صلى الله عليه وسلم ) ، وليس هو من كلام الله . وقالوا : إنما يعلمه بشر ، وقالوا : دارست ، وقالوا : إن هذا إلا اختلاق ، إلى غير ذلك . وقال المشركون : بعضهم قال : سحر ، وبعضهم : شعر ، وبعضهم : كهانة ، وبعضهم : أساطير ، وبعضهم : افتراء إلى غير ذلك . والظاهر الإخبار عمن صدر منهم الاختلاف فيما أنزل الله من الكتاب بأنهم في معاداة وتنافر ، لأن الاختلاف مظنة التباغض والتباين ، كما أن الائتلاف مظنة التحاب والاجتماع . وفي المنتخب : الأقرب ، حمل الكتاب على التوراة والإنجيل اللذين ذكرت البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ) فيهما ، لأن القوم قد عرفوا ذلك وكتموه ، وعرفوا تأويله . فإذا أورد تعالى ما يجري مجرى العلة في إنزال العقوبة به ، فالأقرب أن يكون المراد كتابهم الذي هو الأصل عندهم ، دون القرآن . انتهى كلامه . .
{ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } : تقدم أن ذلك إما مأخوذ من كون هذا يصير في شق وهذا في شق ، أو من كون هذا يشق على صاحبه . وكنى بالشقاق عن العداوة ، ووصف الشقاق بالبعد ، إما لكونه بعيداً عن الحق ، أو لكونه بعيداً عن الألفة . أو كنى به عن الطول ، أي في معاداة طويلة لا تنقطع . وهذا الاختلاف هو سبب اعتقاد كل طائفة أن كتابها هو الحق ، وأن غيره افتراء ، وقد كذبوا في ذلك . كتب الله يشبه بعضها بعضاً ، ويصدق بعضها بعضاً . .
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة نداء الناس ثانياً ، وأمرهم بالأكل من الحلال الطيب ، ونهيهم عن اتباع الشيطان ، وذكر خطواته ، كأنهم يقتفون آثاره ، ويطؤون عقبه . فكلما خطا خطوة ، وضعوا أقدامهم عليها ، وذلك مبالغة في اتباعه . ثم بين أنه إنما نهاهم عن اتباعه ، لأنه هو العدوّ المظهر لعداوته . ثم لم يكتف بذكر العداوة حتى ذكر أنه يأمرهم بالمعاصي . ولما كان لهم متبوعاً وهم تابعوه ، ناسب ذكر الأمر ، إذ هم ممتثلون ما زين لهم ووسوس . ثم ذكر ما به أمرهم ، وهو أمره إياهم بالافتراء على الله ، والإخبار عن الله بما لا يعلمونه عن الله ، ثم ذكر شدة إعراضهم عما أنزل الله ، واقتفاء اتباع آبائهم ، حتى أنهم لو كان آباؤهم مسلوبي العقل والهداية ، لكانوا متبعيهم ، مبالغة في التقليد البحت والإعراض عن كتاب الله ، وجرياً لخلفهم على سلف سننهم ، من غير نظر ولا استدلال . .
ثم ذكر أن مثل الكفار وداعيهم إلى ما أنزل الله ، مثل الناعق بما لا يسمع إلا مجرد ألفاظ . ثم ذكر ما هم عليه من الصمم والبكم والعمي ، التي هي مانعة من وصول العلوم إلى الإنسان ، فلذلك ختم بقوله { فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ، لأن