@ 669 @ والرابع للأخفش . وكذلك اختلفوا في أفعل بعد ما التعجبية ، أهو فعل ؟ وهو مذهب البصريين ، أم اسم ؟ وهو مذهب الكوفيين . وينبني عليه الخلاف في المنصوب بعده ، أهو مفعول به أو مشبه بالمفعول به ؟ وإذا قلنا : إن الكلام هو تعجب ، فالتعجب هو استعظام الشيء وخفاء حصول السبب ، وهذا مستحيل في حق الله تعالى ، فهو راجع لمن يصح ذلك منه ، أي هم ممن يقول فيهم من رآهم : ما أصبرهم على النار واختلف قائلو التعجب ، أهو صبر يحصل لهم حقيقة إذا كانوا في النار ؟ فذهب إلى ذلك الأصم وقال : إذا قيل لهم : { اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } ، سكتوا وانقطع كلامهم ، وصبروا على النار ليأسهم من الخلاص . وضعف قول الأصم ، بأن ظاهر التعجب ، أنه من صبرهم في الحال ، لا أنهم سيصبرون ، وبأن أهل النار قد يقع منهم الجزع . وقيل : الصبر مجاز عن البقاء في النار ، أي ما أبقاهم في النار . أم هو صبر يوصفون به في الدنيا ؟ وهو قول الجمهور . واختلف ، أهو حقيقة أم مجاز ؟ والقائلون بأنه حقيقة ، قالوا : معناه ما أصبرهم على عمل يؤدّيهم إلى النار ، لأنهم كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم ) صار إلى النار ، قاله المؤرج . وقيل : التقدير ما أصبرهم على عمل أهل النار ، كما تقول : ما أشبه سخاءك بحاتم ، أي بسخاء حاتم ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وهو قول الكسائي وقطرب ، وهو قريب من قول المؤرج . وقيل : اصبر هنا بمعنى أجرأ ، وهي لغة يمانية ، فيكون لفظ اصبر إذ ذاك مشتركاً بين معناها المتبادر إلى الذهن من حبس النفس على الشيء المكروه ، ومعنى الجراءة ، أي ما أجرأهم على العمل الذي يقرب إلى النار ، قاله الحسن وقتادة والربيع وابن جبير . قال الفراء : أخبرني الكسائي قال : أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه ، فوجبت اليمين على أحدهما ، فحلف له خصمه ، فقال له : ما أصبرك على الله أي ما أجرأك على الله والقائلون بأنه مجاز . فقيل : هو مجاز أريد به العمل ، أي ما أعملهم بأعمال أهل النار قاله مجاهد . وقيل : هو مجاز أريد به قلة الجزع ، أي ما أقل جزعهم من النار وقيل : هو مجاز أريد به الرضا ، وتقريره أن الراضي بالشيء يكون راضياً بمعلوله ولازمه ، إذا علم ذلك اللزوم . فلما أقدموا على ما يوجب النار ، وهم عالمون بذلك ، صاروا كالراضين بعذاب الله والصابرين عليه ، وهو كما يقول لمن تعرض لغضب السلطان : ما أصبرك على القيد والسجن وقال الزمخشري : فما أصبرهم على النار تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم . انتهى كلامه ، وانتهى القول في أن الكلام تعجب . وذهب معمر بن المثنى والمبرد إلى أن ما استفهامية لا تعجبية ، وهو استفهام على معنى التوبيخ بهم ، أي : أيّ شيء صبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل ؟ وهو قول ابن عباس والسدي . يقال : صبره وأصبره بمعنى : أي جعله يصبر ، لا أن أصبر هنا بمعنى : حبس واضطر ، فيكون أفعل بمعنى : فعل ، خلافاً للمبرد ، إذ زعم أن أصبر بمعنى : صبر ، ولا نعرف ذلك في اللغة ، وإنما تكون الهمزة للنقل ، أي يجعل ذا صبر . وذهب قوم إلى أن ما نافية ، والمعنى : أن الله ما أصبرهم على النار ، أي ما يجعلهم يصبرون على العذاب ، فتلخص في معنى قوله : { مَا * أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } التعجب والاستفهام والنفي ، وتلخص في التعجب ، أهو حقيقة أم مجاز ؟ وكلاهما : أذلك في الدنيا أو في الآخرة ؟ . .
{ ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ } ، ذلك : إشارة إلى ما تقدم من الوعيد ، قاله الزجاج ؛ أو إلى الحكم عليهم بأنهم من أهل الخلود في النار ، قاله الحسن ، أو العذاب ، قاله الزمخشري ؛ أو الاشتراء ، قاله ابن عطية ، تقريعاً على بعض التفاسير في الكتاب من قوله : { نَزَّلَ الْكِتَابَ } ، وسيذكر أي ذلك الاشتراء بما سبق لهم في علم الله وورد أخباره به ، أو الكتمان . وأبعدها أنه إشارة إلى ما تقدم من أخبار الله أنه ختم على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم ، وأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون . واختلف في إعراب ذلك فقيل : هو منصوب بفعل محذوف