@ 657 @ وأمّا القول على أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به ، وهو البهائم التي لا تعقل مثل : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والحمير ، وهو قول ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة والحسن والربيع والسدي . وأكثر المفسرين اختلفوا في تقديره مصحح هذا التشبيه ، فقيل التقدير : ومثل الذين كفروا في دعاتهم إلى الله تعالى وعدم سماعهم إياه ، كمثل بهائم الذي ينعق ، فهو على حذف قيد في الأول ، وحذف مضاف من الثاني . وقيل التقدير : ومثل الذين كفروا في عدم فهمهم عن الله وعن رسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي غير الصوت . فيراد بالذي ينعق ، الذي ينعق به ، فيكون هذا من المقلوب عندهم . قالوا : كما تقول : دخل الخاتم في يدي والخف في رجلي . وكقولهم : عرض الحوض على الناقة ، وأوردوا مما ذكروا أنه مقلوب جملة . وذهب إلى هذا التفسير أبو عبيدة والفراء وجماعة ، وينبغي أن ينزه القرآن عنه ، لأن الصحيح أن القلب لا يكون إلا في الشعر ، أو إن جاء في الكلام ، فهو من القلة بحيث لا يقاس عليه . وأما القول على أن المثل مضروب بتشبيه داعي الكافر بالناعق ، فيكون قوله تعالى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } هو على تقدير : ومثل داعي الذين كفروا . فهو على حذف مضاف ، فلا يكون من تشبيه الكافر بالناعق ، ولا بالمنعوق ، وإنما يكون من باب تشبيه داعي الكافر في دعائه إياه بالناعق بالبهائم ، في كون الكافر لا يفهم مما يخاطبه به داعيه إلا دويّ الصوت دون إلقاء ذهن ولا فكر ، فهو شبيه بالناعق بالبهيمة التي لا تسمع من الناعق بها إلا دعاءه ونداءه ، ولا تفهم شيئاً آخر . قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بما لا يسمع الأصم الأصلخ ، الذي لا يسمع من كلام الرافع صوته بكلامه إلا النداء والصوت لا غير ، من غير فهم للحروف . وأما على القول بأن المثل مضروب بتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به ، فهو الذي اختاره سيبويه في الآية . إن المعنى : مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا ، كمثل الناعق والمنعوق به . وقد اختلف في كلام سيبويه فقيل : هو تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وقيل : هو تفسير إعراب ، وهو أن الكلام حذفين : حذف من الأول ، وهو حذف داعيهم ، وقد أثبت نظيره في الثاني ، وحذف من الثاني ، وهو حذف المنعوق به ، وقد أثبت نظيره في الأول ؛ فشبه داعي الكفار براعي الغنم في مخاطبته من لا يفهم عنه ، وشبه الكفار بالغنم في كونهم لا يسمعون مما دعوا إليه إلا أصواتاً ، ولا يعرفون ما وراءها . وفي هذا الوجه حذف كثير ، إذ فيه حذف معطوفين ، إذ التقدير الصناعي : ومثل الذين كفروا وداعيهم كمثل الذي ينعق والمنعوق به . وذهب إلى تقرير هذا الوجه جماعة من أصحابنا ، منهم الأستاذ أبو بكر بن طاهر وتلميذه أبو الحسن بن خروف ، والأستاذ أبو علي الشلوبين وقالوا : إن العرب تستحسنه ، وإنه من بديع كلامها ، ومثاله قوله تعالى : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء } التقدير : وأدخل يدك في جيبك تدخل ، وأخرجها تخرج بيضاء ، فحذف تدخل لدلالة تخرج ، وحذف وأخرجها لدلالة وأدخل ، قالوا : ومثل ذلك قول الشاعر : % ( وإني لتعروني لذكراك فترة % .
كما انتفض العصفور بلله القطر .
) % .
لم يرد أن يشبه فترته بانتقاض العصفور حين يبله اقطر ، لكونهما حركة وسكوناً ، فهما ضدان ، ولكن تقديره : إني إذا ذكرتك عراني انتفاض ثم أفتر ، كما أن العصفور إذا بلله القطر عراه فترة ثم ينتفض ، غير أن وجيب قلبه واضطرابه قبل الفترة ، وفترة العصفور قبل انتفاضه . وهذه الأقوال كلها في التشبيه ، إنما هي على مراعاة تشبيه مفرد بمفرد ، ومقابلة جزء من الكلام السابق بجزء من الكلام المشبه به . وأمّا إذا كان التشبيه من باب تشبيه الجملة بالجملة ، فلا يراعى في ذلك مقابلة الألفاظ المفردة ، بل ينظر فيه إلى المعنى . وعلى هذا الضرب من التشبيه حمل الآية أبو القاسم الراغب ، قال