@ 608 @ الذي أدنت بتقديره اللام في لئن ، ودل على جواب الشرط ، لا يقال : إنه يكون جواباً لهما ، لامتناع ذلك لفظاً ومعنى . أما المعنى ، فلأن الاقتضاء مختلف . فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له فيه ، لأن القسم إنما جيء به توكيداً للجملة المقسم عليها ، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملاً ، واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه ، فتكون الجملة في موضع جزم ، وعمل الشرط لقوة طلبه له . وأما اللفظ ، فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم ، لم يحتج إلى مزيد رابط ، وإذا كانت جواب شرط ، احتاجت لمزيد رابط ، وهو الفاء . ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها الفاء ، فلذلك امتنع أن يقال إن الجملة جواب للقسم والشرط معاً . ودخلت إذاً بين اسم إن وخبرها لتقرير النسبة التي بينهما ، وكان حدها أن تتقدم أو تتأخر . فلم تتقدّم ، لأنه سبق قسم وشرط ، والجواب هو للقسم . فلو تقدمت ، لتوهم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط والجواب المحذوف ، ولم يتأخر ، لئلا تفوت مناسبة الفواصل وآخر الآي : فتوسطت والنية بها التأخير لتقرير النسبة . وتحرير معنى إذن صعب ، وقد اضطرب الناس في معناها ، وقد نص سيبويه على أن معناها الجواب والجزاء . واختلف النحويون في فهم كلام سيبويه ، وقد أمعنا الكلام في ذلك في ( كتاب التكميل ) من تأليفنا ، والذي تحصل فيها أنها لا تقع ابتداء كلام ، بل لا بد أن يسبقها كلام لفظاً أو تقديراً ، وما بعدها في اللفظ أو التقدير ، وإن كان مسبباً عما قبلها ، فهي في ذلك على وجهين : أحدهما : أن تدل على إنشاء الارتباط والشرط ، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها . مثال ذلك أزورك فتقول : إذاً أزورك ، فإنما تريد الآن أن تجعل فعله شرطاً لفعلك . وإنشاء السببية في ثاني حال من ضرورته أن يكون في الجواب ، وبالفعلية في زمان مستقبل ، وفي هذا الوجه تكون عاملة ، ولعملها مذكورة في النحو . الوجه الثاني : أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمتقدم ، أو منبهة على مسبب شروط حصل في الحال ، وهي في الحالين غير عاملة ، لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، وذلك نحو : إن تأتني إذن آتك ، ووالله إذن لأفعلن . فلو أسقطت إذن ، لفهم الارتباط . ولما كانت في هذا الوجه غير معتمد عليها ، جاز دخولها على الجملة الاسمية الصريحة نحو : أزورك فتقول : إذن أنا أكرمك ، وجاز توسطها نحو : أنا إذاً أكرمك ، وتأخرها . وإذا تقرر هذا ، فجاءت إذاً في الآية مؤكدة للجواب المرتبط بما تقدم ، وإنما قررت معناها هنا لأنها كثيرة الدور في القرآن ، فتحمل في كل موضع على ما يناسب من هذا الذي قررناه . .
{ الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } : هم علماء اليهود والنصارى ، أو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ) من اليهود ، كابن سلام وغيره ، أو من آمن به مطلقاً ، أقوال . والكتاب : التوراة ، أو الإنجيل ، أو مجموعهما ، أو القرآن . أقوال تنبني على من المراد بالذين آتيناهم ، ولفظ آتيناهم أبلغ من أوتوا ، لإسناد الإيتاء إلى الله تعالى ، معبراً عنه بنون العظمة ، وكذا ما يجيء من نحو هذا ، مراداً به الإكرام نحو : هدينا ، واجتبينا ، واصطفينا . قيل : ولأن أوتوا قد يستعمل فيما لم يكن له قبول ، وآتيناهم أكثر ما يستعمل فيما له قبول نحو : { الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ } ، وإذا أريد بالكتاب أكثر من واحد ، فوحد ، لأنه صرف إلى المكتوب المعبر عنه بالمصدر . .
{ يَعْرِفُونَهُ } : جملة في موضع الخبر عن المبتدأ الذي هو الذين آتيناهم ، وجوز أن يكون الذين مجروراً على أنه صفة للظالمين ، أو على أنه بدل من الظالمين ، أو على أنه بدل من { الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } في الآية التي قبلها ، ومرفوعاً على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ، ومنصوباً على إضمار ، أعني : وعلى هذه الأعاريب يكون قوله : { يَعْرِفُونَهُ } ، جملة في موضع الحال ، إما من المفعول الأول في آتيناهم ، أو من الثاني الذي هو الكتاب ، لأن في يعرفونه ضميرين يعودان عليهما . والظاهر هو الإعراب الأول ، لاستقلال الكلام جملة منعقدة من مبتدأ وخبر ، ولظاهر انتهاء الكلام عند قوله : { إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ } . والضمير المنصوب في يعرفونه عائد على النبي صلى الله عليه وسلم ) ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما .