@ 582 @ وكتبت بالقلم ، أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم ، وذلك فرار من زيادة الباء ، لأنه ليس من أماكن زيادة الياء قياساً . والمؤمن به على هذه الأوجه الثلاثة محذوف ، التقدير : فإن آمنوا بالله ، ويكون الضمير في به عائداً على ما عاد عليه قوله : { وَنَحْنُ لَهُ } ، وهو الله تعالى . وقيل : يعود على ما ، وتكون إذ ذاك موصولة . وأما مثل ، فقيل : زائدة ، والتقدير : فإن آمنوا بما آمنتم به ، قالوا : كهي في قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } ، أي ليس كهو شيء ، وكقوله : % ( فصيروا مثل كعصف مأكول وكقوله : % % ( يا عاذلي دعني من عذلكا % .
مثلي لا يقبل من مثلكما .
) % .
وقيل : ليست بزائدة . والمثلية هنا متعلقة بالاعتقاد ، أي فإن اعتقدوا مثل اعتقادكم ، أو متعلقة بالكتاب ، أي فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به . والمعنى : فإن آمنوا بكتابكم المماثل لكتابهم ، أي فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل ، وعلى هذا التأويل ، لا تكون الباء زائدة ، بل هي مثلها في قوله : آمنت بالكتاب . وقالت فرقة : هذا من مجاز الكلام ، يقول : هذا أمر لا يفعله مثلك ، أي لا تفعله أنت . والمعنى : فإن آمنوا بالذي آمنتم به ، وهذا يؤول إلى إلغاء مثل ، وزيادتها من حيث المعنى . وقال الزمخشري : بمثل ما آمنتم به من باب التبكيت ، لأن دين الحق واحد ، لا مثل له ، وهو دين الإسلام . { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } ، فلا يوجد إذاً دين آخر يماثل دين الإسلام في كونه حقاً ، حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له ، كانوا مهتدين ، فقيل : فإن آمنوا بكلمة الشك ، على سبيل العرض ، والتقدير : أي فإن حصلوا ديناً آخر مثل دينكم ، مساوياً له في الصحة والسداد . .
{ فَقَدِ اهْتَدَواْ } : وفيه أن دينهم الذي هم عليه ، وكل دين سواه مغاير له غير مماثل ، لأنه حق وهدى ، وما سواه باطل وضلال ، ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه : هذا هو الرأي الصواب ، فإن كان عندك رأي أصوب منه ، فاعمل به ، وقد علمت أن لا أصوب من رأيك ، ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه . انتهى كلامه ، وهو حسن . وجواب الشرط قوله : { فَقَدِ اهْتَدَواْ } ، وليس الجواب محذوفاً ، كهو في قوله : { وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ } لمعنى تكذيب الرسل قطعاً ، واستقبال الهداية هنا ، لأنها معلقة على مستقبل ، ولم تكن واقعة قبل . .
{ وَإِن تَوَلَّوْاْ } : أي إن أعرضوا عن الدخول في الإيمان . { فَإِنَّمَا هُمْ فِى شِقَاقٍ } : أكد الجملة الواقعة شرطاً بأن ، وتأكد معنى الخبر بحيث صار ظرفاً لهم ، وهم مظروفون له . فالشقاق مستول عليهم من جميع جوانبهم ، ومحيط بهم إحاطة البيت بمن فيه . وهذه مبالغة في الشقاق الحاصل لهم بالتولي ، وهذا كقوله : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ، { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } ، هو أبلغ من قولك : زيد مشاق لعمرو ، وزيد ضال ، وبكر سفيه . والشقاق هنا : الخلاف ، قاله ابن عباس ، أو العداوة ، أو الفراق ، أو المنازعة ، قاله زيد بن أسلم ، أو المجادلة ، أو الضلال والاختلاف ، أو خلع الطاعة ، قاله الكسائي ؛ أو البعاد والفراق إلى يوم القيامة . وهذه تفاسير للشقاق متقاربة المعنى . وقد ذكرنا مدار ذلك في المفردات على عنيين : إما من المشقة ، وإما أن يصير في شق وصاحبه في شق ، أي يقع بينهم خلاف . قال القاضي : ولا يكاد يقال في العداوة على وجه الحق شقاق ، لأن الشقاق في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه ، وهذا وعيد لهم . انتهى . .
{ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ } : لما ذكر أن توليهم يترتب عليه الشقاق ، وهو العداوة العظيمة ، أخبر تعالى أن تلك العداوة لا يصلون