@ 557 @ ذلك القلة ، فيحتاج إلى تأويل ، كما ظنه بعضهم وتأوّله على أن الكثرة بإضافة بعضها إلى بعض ، والقلة بالإضافة إلى نعيم الآخرة . فقد اختلفت جهتا الكثرة والقلة فلم يتنافينا . وانتصاب قليلاً على أنه صفة لظرف محذوف ، أي زماناً قليلاً ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي تمتيعاً قليلاً ، على تقدير الجمهور ، أو على الحال من ضمير المصدر المحذوف ، الدال عليه الفعل ، وذلك على مذهب سيبويه . والوصف بالقلة لسرعة انقضائه ، إما لحلول الأجل ، وإما بظهور محمد صلى الله عليه وسلم ) فيقتله ، أو يخرجه عن هذا البلد ، إن أقام على الكفر والإمتاع بالنعيم والزينة ، أو بالإمهال عن تعجيل الانتقام فيها ، أو بالرزق ، أو بالبقاء في الدنيا ، أقوال للمفسرين . وقراءة يحيى بن وثاب : ثم إضطره بكسر الهمزة . قال ابن عطية ، على لغة قريش ، في قولهم : لا إخال ، يعني بكسر الهمزة . وظاهر هذا النقل في أن ذلك ، أعني كسر الهمزة التي للمتكلم في نحو اضطر ، وهو ما أوله همزة وصل . وفي نحو إخال ، وهو افعل المفتوح العين من فعل المكسور العين مخالف لما نقله النحويون . فإنهم نقلوا عن الحجازيين فتح حرف المضارعة مما أوّله همزة وصل ، ومما كان على وزن فعل بكسر العين يفعل بفتحها ، أو ذا ياء مزيدة في أوله ، وذلك نحو علم يعلم ، وانطلق ينطلق ، وتعلم يتعلم ، إلا إن كان حرف المضارعة ياء ، فجمهور العرب من غير الحجازيين لا يكسر الياء ، بل يفتحها . وفي مثل يوجل بالياء مضارع وجل ، مذاهب تذكر في علم النحو ، وإنما المقصود هنا : أن كلام ابن عطية مخالف لما حكاه النحاة ، إلا إن كان نقل أن إخال بخصوصيته في لغة قريش مكسور الهمزة دون نظائره ، فيكونون قد تبعوا في ذلك لغة غيرهم من العرب ، فيمكن أن يكون قول ابن عطية صحيحاً . .
وقد تقدم لنا في سورة الحمد في قوله : { نَسْتَعِينُ } أن الكسرة لغة قيس وتميم وأسد وربيعة . وقد أمعنا الكلام على ذلك في ( كتاب التكميل لشرح كتاب التسهيل ) من تأليفنا . وقراءة ابن محيصن : ثم اطره ، بإدغام الضاد في الطاء . قال الزمخشري : هي لغة مرذولة ، لأن الضاد من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها ، ولا تدغم هي فيما يجاورها ، وهي حروف ضم شفر . انتهى كلامه . إذا لقيت الضاد الطاء في كلمة نحو مضطرب ، فالأوجه البيان ، وإن أدغم قلب الثاني للأول فقيل : مضرب ، كما قيل : مصبر في مصطبر . قال سيبويه : وقد قال بعضهم : مطجع ، في مضطجع ومضجع أكثر ، وجاز مطجع ، وإن لم يجز في مصطبر مطبر ، لأن الضاد ليست في السمع كالصاد ، يعني أن الصفير الذي في الصاد أكثر في السمع من استطالة الضاد . فظاهر كلام سيبويه أنها ليست لغة مرذولة ، ألا ترى إلى نقله عن بعض العرب مطجع ، وإلى قوله : ومضجع أكثر ، فيدل على أن مطجعا كثير ؟ وألا ترى إلى تعليله ، وكون الضاد قلبت إلى الطاء وأدغمت ، ولم يفعل ذلك بالصاد ، وإبداء الفرق بينهما ؟ وهذا كله من كلام سيبويه ، يدل على الجوار . وقد أدغمت الضاد في الذال في قوله تعالى : { الاْرْضَ ذَلُولاً } ، رواه اليزيدي ، عن أبي عمرو ، وهو ضعيف . وفي الشين في قوله تعالى : { لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } ، { وَالاْرْضِ شَيْئًا } ، وهو ضعيف أيضاً . وأما الشين فأدغمت في السين . روي عن أبي عمرو ذلك في قوله تعالى : { إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً } ، والبصريون لا يجيزون ذلك عن أبي عمرو ، وهو رأس من رؤوس البصريين . وأما الفاء فقد أدغمت في الباء في قراءة الكسائي : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ } ، وهو إمام الكوفيين . وأما الراء ، فذهب الخليل وسيبويه وأصحابه إلى أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام من أجل تكريرها ، ولا في النون . وأجاز ذلك في اللام : يعقوب ، وأبو عمرو ، والكسائي ، والفراء ، وأبو جعفر الرؤاسي ، وهؤلاء الثلاثة رؤوس الكوفيين ، حكوه سماعاً عن العرب . وإنما تعرضت لإدغام هذه الحروف فيما يجاورها ، وذكر الخلاف فيها ، لئلا يتوهم من قول الزمخشري : لا تدغم فيما يجاورها ، أنه لا يجوز ذلك