@ 523 @ ما أطلب منكم من عبادة إلهي . .
{ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } : أي وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه ، يعني : لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية ، فكيف ترجى مني في الإسلام ؟ { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } : أي وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته . فإن قلت : فهلا قيل ما عبدت كما قيل ما عبدتم ؟ قلت : لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل البعث ، وهو لم يكن يعبد الله تعالى في ذلك الوقت ، انتهى . أما حصره في قوله : لأن لا لا تدخل ، وفي قوله : ما لا تدخل ، فليس بصيح ، بل ذلك غالب فيهما لا متحتم . وقد ذكر النحاة دخول لا على المضارع يراد به الحال ، ودخول ما على المضارع يراد به الاستقبال ، وذلك مذكور في المبسوطات من كتب النحو ؛ ولذلك لم يورد سيبويه ذلك بأداة الحصر ، إنما قال : وتكون لا نفياً لقوله يفعل ولم يقع الفعل . وقال : وأما ما فهي نفي لقوله هو يفعل إذا كان في حال الفعل ، فذكر الغالب فيهما . .
وأما قوله : في قوله { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } : أي وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه ، فلا يستقيم ، لأن عابداً اسم فاعل قد عمل فيما عبدتم ، فلا يفسر بالماضي ، إنما يفسر بالحال أو الاستقبال ؛ وليس مذهبه في اسم الفاعل مذهب الكسائي وهشام من جواز إعماله ماضياً . .
وأما قوله : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } : أي وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته ، فعابدون قد أعمله فيما أعبد ، فلا يفسر بالماضي . وأما قوله ، وهو لم يكن إلى آخره ، فسوء أدب منه على منصب النبوة ، وهو أيضاً غير صحيح ، لأنه صلى الله عليه وسلم ) لم يزل موحداً لله عز وجل منزهاً له عن كل ما لا يليق بجلاله ، مجتنباً لأصنامهم بحج بيت الله ، ويقف بمشاعر إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وهذه عبادة لله تعالى ، وأي عبادة أعظم من توحيد الله تعالى ونبذ أصنامهم والمعرفة بالله تعالى من أعظم العبادات ، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } . قال المفسرون : معناه ليعرفون . فسمى الله تعالى المعرفة به عباده . .
والذي أختاره في هذه الجمل أنه أولاً : نفى عبادته في المستقبل ، لأن لا الغالب أنها تنفي المستقبل ، قيل : ثم عطف عليه { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } نفياً للمستقبل على سبيل المقابلة ؛ ثم قال : { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } نفياً للحال ، لأن اسم الفاعل العامل الحقيقة فيه دلالته على الحال ؛ ثم عطف عليه { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } نفياً للحال على سبيل المقابلة ، فانتظم المعنى أنه صلى الله عليه وسلم ) لا يعبد ما يعبدون ، لا حالاً ولا مستقبلاً ، وهم كذلك ، إذ قد حتم الله موافاتهم على الكفر . ولما قال : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ، فأطلق ما على الأصنام ، قابل الكلام بما في قوله : { مَا أَعْبُدُ } ، وإن كانت يراد بها الله تعالى ، لأن المقابلة يسوغ فيها ما لا يسوغ مع الانفراد ، وهذا على مذهب من يقول : إن ما لا تقع على آحاد من يعلم . أما من جوّز ذلك ، وهو منسوب إلى سيبويه ، فلا يحتاج إلى استعذار بالتقابل . وقيل : ما مصدرية في قوله : { مَا أَعْبُدُ } . وقيل : فيها جميعها . وقال الزمخشري : المراد الصفة ، كأنه قيل : لا أعبد الباطل ، ولا تعبدون الحق . .
{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ } : أي لكم شرككم ولي توحيدي ، وهذا غاية في التبرؤ . ولما كان الأهم انتفاءه عليه الصلاة والسلام من دينهم ، بدأ بالنفي في الجمل السابقة بالمنسوب إليه . ولما تحقق النفي رجع إلى خطابهم في قوله : { لَكُمْ دِينَكُمْ } على سبيل المهادنة ، وهي منسوخة بآية السيف . وقرأ سلام : ديني بياء وصلاً ووقفاً ، وحذفها القراء السبعة ، والله تعالى أعلم . .