@ 516 @ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ } : اختلف في سبب نزول هذه الآية ، فقيل عن ابن عباس : نزلت في عبد الله بن أمية ورهط من قريش ، قالوا : يا محمد اجعل الصفا ذهباً ، ووسع لنا أرض مكة ، وفجر الأنهار خلالها تفجيراً ، ونؤمن لك . وقيل : تمنى اليهود وغيرهم من المشركين ، فمن قائل : ائتنا بكتاب من السماء جملة ، كما أتى موسى بالتوراة . ومن قائل : ائتني بكتاب من السماء فيه : من رب العالمين إلى عبد الله بن أمية ، إني قد أرسلت محمداً إلى الناس . ومن قائل : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً . وقيل : إن رافع بن خزيمة ، ووهب بن زيد قالا للنبي صلى الله عليه وسلم ) : ائتنا كتاب من السماء ، وفجر لنا أنهاراً ، نتبعك . وقيل : إن جماعة من الصحابة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ) : ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل في تعجيل العقوبة في الدنيا ، فقال : ( كانت بنو إسرائيل إذا أصابتهم خطيئة وجدوها مكتوبة على باب الخاطىء ، فإن كفرها كانت له خزياً في الدنيا ، وإن لم يكفرها كانت له خزياً في الآخرة ) . وقيل : اليهود وكفار قريش سألوا ردّ الصفا ذهباً ، وقيل لهم : خذوه كالمائدة لبني إسرائيل ، فأبوا ونكصوا . وقيل : سأل قوم أن يجعل لهم ذات أنواط ، كما كانت للمشركين ، وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها الثمرة وغيرها من المأكولات وأسلحتهم . كما سأل بنو إسرائيل موسى فقالوا : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة . ويحتمل أن تكون هذه كلها أسباباً في نزول هذه الآية ، وقد طولنا بذكر هذه الأسباب ، وذلك بخلاف مقصدنا في هذا الكتاب . .
وأم : هنا منقطعة ، وتتقدر المنقطعة ببل والهمزة ، فالمعنى : بل أتريدون ، فبل تفيد الإضراب عما قبله ، ومعنى الإضراب هنا : هو الانتقال من جملة إلى جملة ، لا على سبيل إبطال الأولى . وقد تقدّم قول من جعل أم هنا معادلة للاستفهام الأول . وقد بينا ضعف ذلك . وقالت فرقة : أم استفهام مقطوع من الأول ، كأنه قال : أتريدون . وهذان القولان ضعيفان . والذي تقرر أن أم تكون متصلة ومنفصلة . فالمتصلة : شرطها أن يتقدّمها لفظ همزة الاستفهام ، وأن يكون بعدها مفرد ، أو في تقدير المفرد . والمنفصلة : ما انخرم الشرطان فيها أو أحدهما ، ويتقدر إذ ذاك ببل والهمزة معاً ، وأما مجيئها مرادفة للهمزة فقط ، أو مرادفة لبل فقط ، أو زائدة ، فأقوال : ضعيفة . وعلى الخلاف في المخاطبين ، يجيء الكلام في قوله : { رَسُولَكُمُ } . فإن كان الخطاب للمؤمنين ، وهو قول الأصم والجبائي وأبي مسلم ، فيكون رسولكم جاء على ما في نفس الأمر ، وعلى ما أقروا به من رسالته . وإن كان الخطاب للكفار ، كانت إضافة الرسول إليهم على حسب الأمر في نفسه ، لا على إقرارهم به . ورجح كون الخطاب للمؤمنين بقوله : { وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ } ، وهذا الكلام لا يصح إلا في حق المؤمن ، وبأنه معطوف على قوله : { لاَ تَقُولُواْ راعِنَا } ، أي هل تفعلون ما أمرتم ، أم تريدون ؟ ورجح أنهم اليهود ، لأنه سبق الكلام في الحكايات عنهم ما قالوا ، ولأن المؤمن بالرسول لا يكاد يسأله ما يكون كفراً . .
كما سئل : الكاف في موضع نصب ، فعلى رأي سيبويه : على الحال ، وعلى المشهور من مذاهب المعربين : نعت لمصدر محذوف ، فيقدر على قولهم : سؤالاً كما سئل ، ويقدر على رأي سيبويه : أن تسألوه ، أي السؤال كما سئل ، وما مصدرية التقدير كسؤال . وأجاز الحوفي أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، التقدير : الذي سئله موسى . وقرأ الجمهور : وسيل . وقرأ الحسن وأبو السمال : بكسر السين وياء . وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري : بإشمام السين وياء . وقرأ بعض القراء : بتسهيل الهمزة بين بين وضم السين . وهذه القراءات مبنية على اللغتين في سأل ، وهو أن تكون الهمزة مقرة مفتوحة ، فتقول سأل . فعلى هذه اللغة تكون قراءة الجمهور ، وقراءة من سهل الهمز بين بين . واللغة الثانية أن تكون عين الكلمة واواً ، وتكون على فعل بكسر العين فتقول : سلت أسال ، كخفت أخاف ، أصله : سولت . وعلى هذه اللغة تكون قراءة الحسن ، وقراءة من أشم . وتخريج هاتين القراءتين على هذه اللغة أولى من التخريج على أن أصل الألف الهمز ، فأبدلت الهمزة ألفاً ، فصار مثل : قال وباع ، فقيل فيه : سيل بالكسر المحض ، أو الإشمام ، لأن هذا الإبدال شاذ ولا ينقاس . وتلك لغة ثانية ، فكان الحمل على ما كان لغة أولى من الحمل على الشاذ غير المطرد . وحذف الفاعل هنا للعلم به ، التقدير : كما سأل قوم موسى موسى من قبل . .
{ مُوسَى مِن قَبْلُ } : يتعلق هذا الجار بقوله : سئل ، وقبل مقطوعة عن الإضافة لفظاً ، وذلك أن