@ 416 @ نزل ذلك في أبي جهل ومصعب بن عمير العبدري ، رضي الله تعالى عنه . وعنه أيضاً : { فَأَمَّا مَن طَغَى } ، فهو أخ لمصعب بن عمير ، أسر فلم يشدوا وثاقه ، وأكرموه وبيتوه عندهم ؛ فلما أصبحوا حدثوا مصعباً ، فقال : ما هو لي بأخ ، شدوا أسيركم ، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً فأوثقوه . { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } فمصعب بن عمير ، وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بنفسه يوم أُحد حين تفرّق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه ، وهي السهام . فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) متشحطاً في دمه قال : ( عند الله أحتسبك ) ، وقال لأصحابه : ( لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما ، وإن شراك نعله من ذهب ) . قيل : واسم أخيه عامر . وفي الكشاف ، وقيل : الآيتان نزلتا في أبي عزير بن عمير ومصعب بن عمير ، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أُحد ، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه . انتهى . .
{ يَسْأَلُونَكَ } : أي قريش ، وكانوا يلحون في البحث عن وقت الساعة ، إذ كان يتوعدهم بها ويكثر من ذلك ، فنزلت هذه الآية . { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } : متى إقامتها ؟ أي متى يقيهما الله ويثبتها ويكونها ؟ وقيل : أيان منتهاها ومستقرها ؟ كما أن مرسى السفينة ومستقرها حيث تنتهي إليه . { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يسأل عن الساعة كثيراً ، فلما نزلت هذه الآية . انتهى . والمعنى : في أي شيء أنت من ذكر تحديدها ووقتها ؟ أي لست من ذلك في شيء ، { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ } . { إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا } : أي انتهاء علم وقتها ، لم يؤت علم ذلك أحداً من خلقه . وقيل : { فِيمَ } إنكار لسؤالهم ، أي فيم هذا السؤال ؟ ثم قال : { أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } ، وعلامة من علاماتها ، فكفاهم بذلك دليلاً على دنوها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها ، ولا معنى لسؤالهم عنها . .
{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } : أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه ، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون إنذارك لطفاً به في الخشية منها . انتهى . وهذا القول حكاه الزمخشري وزمكه بكثرة ألفاظه ، وهو تفكيك للكلام وخروج عن الظاهر المتبادر إلى الفهم ، ولم يخله من دسيسة الاعتزال . وقرأ الجمهور : { مُنذِرُ مَن } بالإضافة . وقرأ عمر بن عبد العزيز وأبو جعفر وشيبة وخالد الحذاء وابن هرمز وعيسى وطلحة وابن محيصن وأبو عمر في رواية وابن مقسم : منذر بالتنوين . وقال الزمخشري : وقرىء منذرر بالتنوين ، وهو الأصل والإضافة تخفيف ، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال ؛ فإذا أريد الماضي ، فليس إلا الإضافة ، كقولك : هو منذر زيد أمس . انتهى . أما قوله : وهو الأصل ، يعني التنوين ، فهو قول قد قاله غيره ممن تقدم . وقد قررنا في هذا الكتاب ، وفيما كتبناه في هذا العلم أن الأصل الإضافة ، لأن العمل إنما هو بالشبه ، والإضافة هي أصل في الأسماء . وأما قوله : فإذا أريد الماضي ، فليس إلا الإضافة ، فهذا فيه تفصيل وخلاف مذكور في علم النحو . وخص { مَن يَخْشَاهَا } لأنه هو المنتفع بالإنذار . { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } : تقريب وتقرير لقصر مقامهم في الدنيا . { لَمْ } : لم يقيموا في الدنيا ، { يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً } : يوم أو بكرته ، وأضاف الضحى إلى العشية لكونها طرفي النهار . بدأ بذكر أحدهما ، فأضاف الآخر إليه تجوّزاً واتساعاً ، وحسن الإضافة كون الكلمة فاصلة ، والله سبحانه وتعالى أعلم . .