@ 484 @ النفيسة بما يترتب لهم على كفرهم بآيات الله من المآكل والرّياسات المنقضية في الزمن اليسير ، وأن الحامل على ذلك هو البغي والحسد ، لأن اختص الله بفضله من شاء من عباده ، فلم يرضوا بحكمه ولا باختياره ، فباؤا بالغضب من الله ، وأعد لهم في الآخرة العذاب الذي يذلهم ويهينهم . إذ كان امتناعهم من الإيمان ، إنما هو للتكبر والحسد وعدم الرّضا بالقدر ، فناسب ذلك أن يعذبوا العذاب الذي فيه صغار لهم وذلة وإهانة . .
ثم أخبر تعالى عنهم ، أنهم إذا عرض عليهم الإيمان بما أنزل الله ، أجابوا أنهم يؤمنون بالتوراة ، وأنهم يكفروا بما سواها . هذا والكتب المنزلة من عند الله سواء ، إذ كلها حق يصدق بعضها بعضاً . فالكفر ببعضها كفر بجميعها . ثم أخبر تعالى بكذبهم في قولهم : { نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا } ، وذلك بأنهم قتلوا الأنبياء ، والتوراة ناطقة باتباع الأنبياء والاقتداء بهم ، فقد خالف قولهم فعلهم . ثم كرر عليهم ، توبيخاً لهم ، أن موسى الذي أنزل عليه التوراة ، وأنهم يزعمون أنهم آمنوا بها ، قد جاءهم بالأشيائ الواضحة والمعجزات الخارقة ، من نجاتهم من فرعون ، وفلق البحر وغير ذلك ، ومع ذلك ، اتخذوا من بعد ذهابه إلى مناجاة ربه إلهاً من أبعد الحيوان ذهناً وأبلدها ، وهو العجل المصنوع من حليهم ، المشاهد إنشاؤه وعمله ، وموسى لم يمت بعد ، وكتاب الله طري نزوله عليهم ، لم يتقادم عهده . وكرر تعالى ذكر رفع الطور عليهم ليقبلوا ما في التوراة ، وأمروا بالسمع والطاعة ، فأجابوا بالعصيان . هذا وهم ملجؤن إلى الإيمان ، أو كالملجئين ، لأن مثل هذا المزعج العظيم من رفع جبل عليهم ليشدخوا به جدير بأن يأتي الإنسان ما أمر به ، ويقبل ما كلف به من التكاليف . وتأبيهم لذلك ، وعدم قبولهم ، سببه أن عبادة العجل خامرت قلوبهم ومازجتها ، حتى لم تسمع قبولاً لشيء من الحق ، والقلب إذا امتلأ بحب شيء لم يسمع سواه ولم يصغ إلى ملام ، وأنشدوا : % ( ملأت ببعض حبك كل قلبي % .
فإن ترد الزيادة هات قلبا .
) % .
ثم ذمهم تعالى على ما أمرهم به إيمانهم ، ولا إيمان لهم حقيقة ، بل نسب ذلك إليهم ، على سبيل التهكم من عبادة العجل واتخاذه إلهاً من دون الله . ثم كذبهم في دعواهم أن الجنة هي خالصة لهم ، لا يدخلها أحد سواهم ، فأمرهم بتمني الموت ، لأن من اعتقد أنه يصير إلى سرور وحبور ولذة دائمة لا تنقضي ، يؤثر الوصول إلى ذلك ، وانقضاء ما هو فيه من الذلة والنكد . وأخبر تعالى أن تمني الموت لا يقع منهم أبداً ، وأن امتناعهم من ذلك هو بما قدّمت أيديهم من الجرائم ، فظهر كذبهم في دعواهم بأنهم أهل الجنة . ثم أخبر ترشيحاً لما قبله من عدم تمنيهم الموت ، أنهم أشدّ الناس حرصاً على حياة ، حتى أنهم أحرص من الذين لا يؤمنون بالدار الآخرة ، ولا يرجون ثواباً ، ولا يخافون عقاباً . ثم ذكر أن أحدهم يودّ أن يعمر ألف سنة ، ومع ذلك فتعميره ، وإن طال ، ليس بمنجيه من عذاب الله . .
ثم ختم الآيات بأن الله تعالى مطلع على قبائح أفعالهم ، ومجازيهم عليها . وتبين بمجموع هذه الآيات ما جبل عليه اليهود من فرط كذبهم ، وتناقض أفعالهم وأقوالهم ، ونقص عقولهم ، وكثرة بهتهم ، أعاذنا الله من ذلك ، وسلك بنا أنهج المسلك . .
2 ( { قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ * وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَآء