@ 483 @ مبتدأ ، وبمزحزحه خبر . وأن يعمر فاعل بمزحزحه ، فتكون ما تميمية . وهذا الوجه ، أعني أن تكون ما تميمية هو الذي ابتدأ به ابن عطية . وأجازوا أن يكون هو ضميراً عائداً على المصدر المفهوم من قوله : { لَوْ يُعَمَّرُ } ، وأن يعمر بدل منه ، وارتفاع هو على وجهيه من كونه اسم ما أو مبتدأ . وقيل : هو كناية عن التعمير ، وأن يعمر بدل منه ، ولا يعود هو على شيء قبله . والفرق بين هذا القول والذي قبله ، أن مفسر الضمير هنا هو البدل ، ومفسره في القول الأول هو المصدر الدال عليه الفعل في لو يعمر . وكون البدل يفسر الضمير فيه خلاف ، ولا خلاف في تفسير الضمير بالمصدر المفهوم من الفعل السابق . فهذا يفسره ما قبله ، وذاك يفسره ما بعده . وهذا الذي عنى الزمخشري بقوله : ويجوز أن يكون هو مبهماً ، وأن يعمر موضحه . يعني : أن يكون هو لا يعود على شيء قبله ، وأن يعمر بدل منه وهو مفسر . وأجاز أبو علي الفارسي في الحلبيات أن يكون هو ضمير الشأن ، وهذا ميل منه إلى مذهب الكوفيين ، وهو أن مفسر ضمير الشأن ، وهو المسمى عندهم بالمجهول ، يجوز أن يكون غير جملة إذا انتظم إسناداً معنوياً نحو : ظننته قائماً زيد ، وما هو بقائم زيد ، فهو مبتدأ ضمير مجهول عندهم ، وبقائم في موضع الخبر ، وزيد فاعل بقائم . وكان المعنى عندهم : ما هو يقوم زيد ، ولذلك أعربوا في : ظننته قائماً زيد ، الهاء ضمير المجهول ، وهي مفعول ظننت ، وقائماً المفعول الثاني ، وزيد فاعل بقائم . ولا يجوز في مذهب البصريين أن يفسر إلا بجملة مصرّح بجزأيها سالمة من حرف جر . قال ابن عطية ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : هو عماد . انتهى كلامه ، ويحتاج إلى تفسير ، وذلك أن العماد في مذهب بعض الكوفيين يجوز أن يتقدّم مع الخبر على المبتدأ ، فإذا قلت : ما زيد هو القائم ، جوّزوا أن تقول : ما هو القائم زيد . فتقدير الكلام عندهم ، وما تعميره هو بمزحزحه . ثم قدم الخبر مع العماد ، فجاء : وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، أي تعميره ، ولا يجوز ذلك عند البصريين ، لأن شرط الفصل عندهم أن يكون متوسطاً . وتلخص في هذا الضمير : أهو عائد على أحدهم ؟ أو على المصدر المفهوم من يعمر ؟ أو على ما بعده من قوله أن يعمر ؟ أو هو ضمير الشأن ؟ أو عماد ؟ أقوال خمسة ، أظهرها الأول . .
{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } : قرأ الجمهور يعملون بالياء ، على نسق الكلام السابق . وقرأ الحسن وقتادة والأعرج ويعقوب بالتاء ، على سبيل الالتفات والخروج من العيبة إلى الخطاب . وهذه الجملة تتضمن التهديد والوعيد ، وأتى عنا بصفة بصير ، وإن كان الله تعالى متنزهاً عن الجارحة ، إعلاماً بأن علمه ، بجميع الأعمال ، علم إحاطة وإدراك للخفيات . وما : في بما ، موصولة ، والعائد محذوف ، أي يعملونه . وجوّزوا فيها أن تكون مصدرية أي بعملهم ، وأتى بصيغة المضارع ، وإن كان علمه تعالى محيطاً بأعمالهم السالفة والآتية لتواخي الفواصل . .
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة الامتنان على بني إسرائيل وتذكارهم بنعم الله ، إذ آتى موسى التوراة المشتملة على الهدى والنور ، ووالى بعده بالرسل لتجديد دين الله وشرائعه ، وآتى عيسى الأمور الخارقة ، من إحياء الأموات ، وإبراء الأكمة والأبرص ، وإيجاد المخلوق ، ونفخ الروح فيه ، والإنباء بالمغيبات ، وغير ذلك . وأيده بمن ينزل الوحي على يديه ، وهو جبريل عليه السلام . ثم مع هذه المعجزات والنعم كانوا أبعد الناس عن قبول ما يأتيهم من عند الله ، وكانوا بحيث إذا جاءهم رسول بما لا يوافقهم ، بادروا إلى تكذيبه ، أو قتلوه ، وهم غير مكترثين بما يصدر منهم من الجرائم ، حتى حكي أنهم في أثر قتلهم الجماعة من الأنبياء ، تقوم سوق البقل بينهم ، التي هي أرذل الأسواق ، فكيف بالأسواق التي تباع فيها الأشياء النفيسة ؟ ثم نعى تعالى عليهم أنهم باقون على تلك العادة من تكذيب ما جاء من عند الله ، وإن كانوا قبل مجيئه به يذكرون أنه يأتيهم من عند الله . فحين وافاهم ما كانوا ينتظرونه ويعرفونه ، كفروا به ، فختم الله عليهم باللعنة . وأن سبب طردهم عن رحمة الله هو ما سبق من كفرهم ، وأن إيمانهم كان قليلاً ، إذ كانوا قبل مجيء الكتاب يؤمنون بأنه سيأتي كتاب . ثم أخذ في ذكر ذمهم ، أن باعوا أنفسهم