@ 140 @ وقيل : باذكر مضمرة . وروى عبد الوارث ، ومحبوب ، والأصمعي عن أبي عمرو ، وأبو السمال ، وابن مقسم : وقوم نوح بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، أي أهلكناهم . .
قوله عز وجل : { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالاْرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاً ءاخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكّرْ فَإِنَّ الذّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ * فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ } . .
أي : وبنينا السماء ، فهو من باب الاشتغال ، وكذا وفرشنا الأرض . وقرأ أبو السمال ، ومجاهد ، وابن مقسم : برفع السماء ورفع الأرض على الابتداء . { بِأَيْدٍ } : أي بقوة ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وهو كقوله : { دَاوُودُ * ذَا الاْيْدِ } . { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } : أي بناءها ، فالجملة حالية ، أي بنيناها موسعوها ، كقوله : جاء زيد وإنه لمسرع ، أي مسرعاً ، فهي بحيث أن الأرض وما يحيط من الماء والهواء كالنقطة وسط الدائرة . وقال ابن زيد قريباً من هذا وهو : أن الوسع راجع إلى السماء . وقيل : لموسعون قوة وقدرة ، أي لقادرون من الوسع ، وهو الطاقة . وقال الحسن : أوسع الرزق بالمطر والماء . .
{ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } ، و { خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } ، قال مجاهد : إشارة إلى المتضادات والمتقابلات ، كالليل والنهار ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والسماء والأرض ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض ، والكفر والإيمان ، ونحو ذلك ، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة التي توجد الضدين ، بخلاف ما يفعل بطبعه ، كالتسخين والتبريد . ومثل الحسن بأشياء مما تقدم وقال : كل اثنين منها زوج ، والله تعالى فرد لا مثل له . وقال ابن زيد وغيره : { مِن كُلّ شَىْء } : أي من الحيوان ، { خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } : ذكراً وأنثى . وقيل : المراد بالشيء الجنس ، وما يكون تحت الجنس نوعان : فمن كل جنس خلق نوعين من الجواهر ، مثل النامي والجامد . ومن النامي المدرك والنبات ، ومن المدرك الناطق والصامت ، وكل ذلك يدل على أنه فرد لا كثرة فيه . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } : أي بأني باني السماء وفارش الأرض وخالق الزوجين ، تعالى أن يكون له زوج . أو تذكرون أنه لا يعجزه حشر الأجساد وجمع الأرواح . وقرأ أبي : تتذكرون ، بتاءين وتخفيف الذال . وقيل : إرادة أن تتذكروا ، فتعرفوا الخالق وتعبدوه . .
{ فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ } : أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله ، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار ، لينبه على أن وراء الناس عقاب وعذاب . وأمر حقه أن يفر منه ، فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء . وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ) : ( لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ) ، قاله ابن عطية ، وهو تفسير حسن . وقال الزمخشري : إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ، ووحدوه ولا تشركوا به شيئاً . وكرر { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ، عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ، ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل ، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان ، وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما . ألا ترى إلى قوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا } ؟ والمعنى : قل يا محمد ففروا إلى الله . انتهى ، وهو على طريق الاعتزال . وقد رددنا عليه في تفسير { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } في موضع هذه الآية . .
{ كَذالِكَ } : أي أمر الأمم السابقة عند مجيء الرسل إليهم ، مثل الأمر من الكفار الذين بعثت إليهم ، وهو التكذيب . { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } : أو للتفصيل ، أي قال بعض ساحر ، وقال بعض مجنون ، وقال بعض كلاهما ، ألا ترى إلى قوم نوح عليه الصلاة والسلام لم يقولوا عنه إنه ساحر ، بل قالوا به جنة ، فجمعوا في الضمير ودلت أو على التفصيل ؟ { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } : أي بذلك القول ، وهو توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة على تكذيب الأنبياء ، مع افتراق أزمانهم ، { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } : أي لم يتواصوا به ، لأنهم لم يكونوا في زمان واحد ، بل جمعتهم علة واحدة ، وهي كونهم طغاة ، فهم مستعلون في الأرض ، مفسدون فيها