@ 114 @ وعرض المسلم مثل دمه في التحريم ) . وفي الحديث المستفيض : ( فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم ) . ولا يباح من هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه ، من تجريح الشهود والرواة ، والخطاب إذا استنصح من يخطب إليه من يعرفهم ، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم ، ومنه : .
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم .
{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ } ، قال الزمخشري : تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه ، وفيه مبالغات شتى ، منها : الاستفهام الذي معناه التقرير ، ومنها : جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة ، ومنها : إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك ، ومنها : أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخاً ، ومنها : أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتاً . انتهى . وقال الرماني : كراهية هذا اللحم يدعو إليه الطبع ، وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل ، وهو أحق أن يجاب ، لأنه بصير عالم ، والطبع أعمى جاهل . انتهى . وقال أبو زيد السهيلي : ضرب المثل لأخذه العرض يأكل اللحم ، لأن اللحم ستر على العظم ، والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه من ستر . .
وقال تعالى : { مَيْتًا } ، لأن الميت لا يحس ، وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب ، ثم هو في التحريم كآكل لحم الميت . انتهى . وروي في الحديث : ( ما صام من أكل لحوم الناس ) . وقال أبو قلابة الرياشي : سمعت أبا عاصم يقول : ما اغتبت أحداً منذ عرفت ما في الغيبة . وقيل : لعمر بن عبيد : لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك ، قال : إياه فارحموا . وقال رجل للحسن : بلغني أنك تغتابني ، قال : لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي . وانتصب ميتاً على الحال من لحم ، وأجاز الزمخشري أن ينتصب عن الأخ ، وهو ضعيف ، لأن المجرور بالإضافة لا يجيء الحال منه إلا إذا كان له موضع من الإعراب ، نحو : أعجبني ركوب الفرس مسرجاً ، وقيام زيد مسرعاً . فالفرس في موضع نصب ، وزيد في موضع رفع . وقد أجاز بعض أصحابنا أنه إذا كان الأول جزأ أو كالجزء ، جاز انتصاب الحال من الثاني ، وقد رددنا عليه ذلك فيما كتبناه في علم النحو . { فَكَرِهْتُمُوهُ } ، قال الفراء : أي فقد كرهتموه ، فلا تفعلون . وقيل : لما وقفهم على التوبيخ بقوله : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } ، فأجاب عن هذا : لأنهم في حكم من يقولها ، فخوطبوا على أنهم قالوا لا ، فقيل لهم : فكرهتموه ، وبعد هذا يقدر فلذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك . وعلى هذا التقدير يعطف قوله : { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } ، قاله أبو علي الفارسي ، وفيه عجرفة العجم . .
وقال الزمخشري : ولما قررهم عز وجل بأن أحداً منهم لا يحب أكل جيفة أخيه ، عقب ذلك بقوله : { فَكَرِهْتُمُوهُ } ، أي فتحققت بوجوب الإقرار عليكم بأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره لإباء البشرية عليكم أن تجحدوا كراهتكم له وتقذركم منه ، فليتحقق أيضاً أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين . انتهى ، وفيه أيضاً عجرفة العجم . والذي قدره الفراء أسهل وأقل تكلفاً ، وأجرى على قواعد العربية . وقى ل : لفظه خبر ، ومعناه الأمر ، تقديره : فاكرهوه ، ولذلك عطف عليه { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } ، ووضع الماضي موضع الأمر في لسان العرب كثير ، ومنه اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه ، أي ليتق الله ، ولذلك انجزم يثب على جواب الأمر . .
وما أحسن ما جاء الترتيب في هذه الآية . جاء الأمر أولاً باجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم ، وهو الظن ؛ ثم نهى ثانياً عن طلب تحقق ذلك الظن ، فيصير علماً بقوله : { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } ؛ ثم نهى ثالثاً عن ذكر ذلك إذا علم ، فهذه أمور ثلاثة مترتبة ، ظنّ فعلم بالتجسس فاغتياب . وضمير النصف في كرهتموه ، الظاهر أنه عائد على الأكل . وقيل : على الميت . وقرأ أبو سعيد الخدري ، وأبو حيوة : فكرّهتموه ، الظاهر أنه عائد على الأكل . وقيل : على الميت . وقرأ أبو سعيد الخدري ، وأبو حيوة : فكرّهتموه ، بضم الكاف وتشديد الراء ؛ ورواها الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ، والجمهور : بفتح الكاف وتخفيف الراء ، وكره يتعدى إلى واحد ، فقياسه إذا ضعف أن يتعدى إلى اثنين ، كقراءة الخدري ومن معه ، أي جعلتم فكرهتموه . فأما قوله : { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ } فعلى التضمين بمعنى بغض ، وهو يتعدى لواحد ، وبإلى إلى آخر ، وبغض منقول بالتضعيف من بغض الشيء إلى زيد