@ 113 @ أذى . قالوا : وقد قال ابن مسعود لعلقمة : وتقول أنت ذلك يا أعور . وقال ابن زيد : أي لا يقول أحد لأحد يا يهودي بعد إسلامه ، ولا يا فاسق بعد توبته ، ونحو ذلك . وتلاحى ابن أبي حدرد وكعب بن مالك ، فقال له مالك : يا أعرابي ، يريد أن يبعده من الهجرة ، فقال له الآخر : يا يهودي ، يريد المخاطبة لليهود في يثرب . .
{ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاْيمَانِ } : أي بئس اسم تنسبونه بعصيانكم نبزكم بالألقاب ، فتكونون فساقاً بالمعصية بعد إيمانكم ، أو بئس ما يقوله الرجل لأخيه يا فاسق بعد إيمانه . وقال الرماني : هذه الآية تدل على أنه لا يجتمع الفسوق والإيمان . انتهى . وقال الزمخشري : نحو قول الرماني ، قال : استقباح الجمع بعد الإيمان ، والفسق الذي يأباه الإيمان ، وهذه نزغة اعتزالية . وقال الزمخشري : الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرم أو باللوم ، كما يقال : طار ثناؤه وصيته وحقيقة ما سمي من ذكره وارتفع بين الناس ، كأنه قيل : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن تذكروا بالفسق . { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } : أي عن هذه الأشياء { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } : تشديد وحكم بظلم من لم يتب . .
{ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ } : أي لا تعملوا على حسبه ، وأمر تعالى باجتنابه ، لئلا يجترىء أحد على ظن إلا بعد نظر وتأمل وتمييز بين حقه وباطله . والمأمور باجتنابه هو بعض الظن المحكوم عليه بأنه إثم ، وتمييز المجتنب من غيره أنه لا يعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر ، كمن يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث ، كالدخول والخروج إلى حانات الخمر ، وصحبة نساء المغاني ، وإدمان النظر إلى المرد . فمثل هذا يقوي الظن فيه أنه ليس من أهل الصلاح ، ولا إثم فيه ، وإن كنا لا نراه يشرب الخمر ، ولا يزني ، ولا يعبث بالشبان ، بخلاف من ظاهره الصلاح فلا يظن به السوء . فهذا هو المنهي عنه ، ويجب أن يزيله . والإثم : الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب . وقال الزمخشري : والهمزة فيه بدل عن الواو ، كأنه يثم الأعمال ، أي يكسرها بإحباطه ، وهذا ليس بشيء ، لأن تصريف هذه الكلمة مستعمل فيه الهمز . تقول : أثم يأثم فهو آثم ، والإثم والآثام ، فالهمزة أصل وليست بدلاً عن واو . وأما يثم فأصله يوثم ، وهو من مادة أخرى . وقيل : الاثم متعلق بتكلم الظان . أما إذا لم يتكلم ، فهو في فسحة ، لأنه لا يقدر على رفع الخواطر التي يبيحها قول النبي صلى الله عليه وسلم ) : ( الحزم سوء الظن ) . وقرأ الجمهور : ولا تجسسوا بالجيم . وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين بالحاء وهما متقاربان ، نهى عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه . وقيل لابن مسعود : هل لك في فلان تقطر لحيته خمراً ؟ فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، فإن ظهر لنا شيء أخذنا به . وفي الحديث : ( أن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم ) ، وقد وقع عمر رضي الله تعالى عنه في حراسته على من كان في ظاهره ريبة ، وكان دخل عليه هجماً ، فلما ذكر له نهي الله تعالى عن التجسس ، انصرف عمر . .
{ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } ، يقال : غابه واغتابه ، كغاله واغتاله ؛ والغيبة من الاغتياب ، كالغيلة من الاغتيال ، وهي ذكر الرجل بما يكره مما هو فيه . وفي الحديث : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ما الغيبة فقال : أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ، فقال : يا رسول الله وإن كان حقاً ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : إذا قلت باطلاً فذلك البهتان ) ، وفي الصحيحين فقد بهته . وقال ابن عباس : الغيبة أدام كلاب الناس . وقالت عائشة عن امرأة : ما رأيت أجمل منها ، إلا أنها قصيرة . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( اغتبتيها ، نظرت إلى أسوأ ما فيها فذكرتيه ) . وحكى الزهراوي عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( الغيبة أشد من الزنا ، لأن الزاني يتوب الله عليه ، والذي يغتاب فلا يتاب عليه حتى يستحل