@ 109 @ لكان هو ، أي صبرهم خيراً لهم . وقال الزمخشري : في كان ، إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد لو . انتهى ، لأنه قدر أن وما بعدها فاعل بفعل مضمر ، فأعاد الضمير على ذلك الفاعل ، وهو الصبر المنسبك من أن ومعمولها خيراً لهم في الثواب عند الله ، وفي انبساط نفس الرسول صلى الله عليه وسلم ) وقضائه لحوائجهم . وقد قيل : إنهم جاءوا في أسارى ، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ) النصف وفادى على النصف ، ولو صبروا لأعتق الجميع بغير فداء . وقيل : لكان صبرهم أحسن لأدبهم . { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، لن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء إن تابوا وأنابوا . .
{ رَّحِيمٌ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } الآية ، حدث الحرث بن ضرار قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فدعاني إلى الإسلام ، فأسلمت ، وإلى الزكاة فأقررت بها ، فقلت : أرجع إلى قومي وأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة ، فمن أجابني جمعت زكاته ، فترسل من يأتيك بما جمعت . فلما جمع ممن استجاب له ، وبلغ الوقت الذي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم ) أن يبعث إليه ، واحتبس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، قال لسروات قومه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وقت لي وقتاً إلى من يقبض الزكاة ، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الخلف ، ولا أرى حبس الرسول إلا من سخطه . فانطلقوا بها إليه ، وكان عليه السلام البعث بعث الوليد بن الحرث ، ففرق ، فرجع فقال : منعني الحرث الزكاة وأراد قتلي ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إلى الحرث ، فاستقبل الحرث البعث وقد فصل من المدينة ، فقالوا : هذا الحرث ، إلى من بعثتم ؟ قالوا : إليك قال : ولم ؟ فقالوا : بعث إليك الوليد ، فرجع وزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال : لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيت رسولك ، ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولك خشية أن يكون سخطة من الله ورسوله ، قال : فنزلت هذه الآية . .
وفاسق وبنبأ مطلقان ، فيتناول اللفظ كل واحد على جهة البدل ، وتقدم قراءة فتبينوا وفتثبتوا في سورة النساء ، وهو أمر يقتضي أن لا يعتمد على كلام الفاسق ، ولا يبنى عليه حكم . وجاء الشرط بحرف إن المقتضي للتعليق في الممكن ، لا بالحرف المقتضي للتحقيق ، وهو إذا ، لأن مجيء الرجل الفاسق للرسول وأصحابه بالكذب ، إنما كان على سبيل الندرة . وأمروا بالتثبت عند مجيئه لئلا يطمع في قبول ما يلقيه إليهم ، ونبا ما يترتب على كلامه . فإذا كانوا بمثابة التبين والتثبت ، كف عن مجيئهم بما يريه . { ءانٍ } : مفعول له ، أي كراهة أن يصيبوا ، أو لئلا تصيبوا ، { سُوءا بِجَهَالَةٍ } حال ، أي جاهلين بحقيقة الأمر معتمدين على خبر الفاسق ، { فَتُصْبِحُواْ } : فتصيروا ، { عَلَى مَا فَعَلْتُمْ } : من إصابة القوم بعقوبة بناء على خبر الفاسق ، { نَادِمِينَ } : مقيمين على فرط منكم ، متمنين أنه لم يقع . ومفهوم { إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ } : قبول كلام غير الفاسق ، وأنه لا يتثبت عنده ، وقد يستدل به على قبول خبر الواحد العدل . وقال قتادة : لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( التثبت من الله والعجلة من الشيطان ) . وقال مقلد بن سعيد : هذه الآية ترد علي من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ، لأن الله تعالى أمر بالتبين قبل القبول . انتهى . وليس كما ذكر ، لأنه ما أمر بالتبيين إلا عند مجيء الفاسق ، لا مجيء المسلم ، بل بشرط الفسق . والمجهول الحال يحتمل أن يكون فاسقاً ، فالاحتياط لازم . .
{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ } : هذا توبيخ لمن يكذب للرسول عليه الصلاة والسلام ، ووعيد بالنصيحة . ولا يصدر ذلك إلا ممن هو شاك في الرسالة ، لأن الله تعالى لا يترك نبيه صلى الله عليه وسلم ) يعتمد على خبر الفاسق ، بل بين له ذلك . والظاهر أن قوله : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ } كلام تام ، أمرهم بأن يعلموا أن الذي هو بين ظهرانيكم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فلا تخبروه بما لا يصح ، فإنه رسول الله يطلعه على ذلك . .
ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ) لو أطاعكم في كثير من الأمر الذي يؤدي إليه اجتهادكم وتقدمكم بين يديه { لَعَنِتُّمْ } :