@ 504 @ الملائكة ، أو { يُرْسِلَ رَسُولاً } : أي نبياً ، كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم ، حكاه الزمخشري ، وترك تفسير { أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ } ، ومعناه في هذا القول : كما كلم محمداً وموسى صلى الله عليه وسلم ) . وقرأ الجمهور : { حِجَابٍ } ، مفرداً ؛ وابن أبي عبلة : حجب جمعاً . وقرأ الجمهور : بنصب الفعلين عطف ، أو يرسل على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب ، وهذا المضمر معطوف على وحياً ، والمعنى : إلا بوحي أو سماع من وراء حجاب ، أو إرسال رسول فيوحي ذلك الرسول إلى النبي الذي أرسل عنه بإذن الله ما يشاء ، ولا يجوز أن يعطف { أَوْ يُرْسِلَ } على { أَن يُكَلّمَهُ اللَّهُ } لفساد المعنى . وقال الزمخشري : ووحياً ، وأن يرسل ، مصدران واقعان موقع الحال ، لأن أن يرسل في معنى إرسالاً ، ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال أيضاً ، كقوله : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } ، والتقدير : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب ، أو مرسلاً . انتهى . أما وقوع المصدر موقع الحال ، فلا ينقاس ، وإنما قالته العرب . وكذلك لا يجوز : جاء زيد بكاء ، تريد باكياً ، وقاس منه المبرد ما كان منه نوعاً للفعل ، نحو : جاء زيد مشياً أو سرعة ، ومنع سيبويه أن يقع أن والفعل المقدر بالمصدر موقع الحال ، فلا يجوز ، نحو : جاء زيد أن يضحك في معنى ضحكا الواقع موقع ضاحكاً ، فجعله وحياً مصدراً في موضع الحال مما لا ينقاس ، وأن يرسل في معنى إرسالاً الواقع موقع مرسلاً ممنوع بنص سيبويه . وقرأ نافع وأهل المدينة : أو يرسل رسولاً فيوحي بالرفع فيهما ، فخرج على إضمار هو يرسل ، أو على ما يتعلق به من وراء ، إذ تقديره : أو يسمع من وراء حجاب ، ووحياً مصدر في موضع الحال ، عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه ، أو يرسل والتقدير : إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب ، أو مرسلاً ، وإسناد التكلم إلى الله بكونه أرسل رسولاً مجاز ، كما تقول : نادى الملك في الناس بكذا ، وإنما نادى الريح ، الدائر في الأسواق ، نزل ما كان بواسطة منزلة ما كان بغير واسطة . قال ابن عطية : وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكلم ، وأن الحالف الرسل ، كانت إذا حلف أن لا يكلم إنساناً فأرسل إليه ، وهو لم ينو المشافهة وقت يمينه . انتهى . { إِنَّهُ عَلِىٌّ } : أي عليٌّ عن صفات المخلوقين ، { حَكِيمٌ } : تجري أفعاله على ما تقتضيه الحكمة ، يكلم بواسطة وبغير واسطة . .
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا } : أي مثل ذلك الإيحاء الفصل أوحينا إليك ، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث : النفث في الروع ، والمنام ، وتكليم الله له حقيقة ليلة الإسراء ، وإرسال رسول إليه ، وهو جبريل . وقيل : كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ، { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } . قال ابن عباس : النبوة . وقال السدي : الوحي ؛ وقال قتادة : رحمة ؛ وقال الكلبي : كتاباً ؛ وقال الربيع : جبريل ؛ وقيل : القرآن ؛ وسمى ما أوحى إليه روحاً ، لأن به الحياة من الجهل . وقال مالك بن دينار : يا أهل القرآن ، ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟ فإن القرآن ربيع القلوب ، كما أن العشب ربيع الأرض . { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ } : توقيف على عظم المنة ، وهو صلى الله عليه وسلم ) أعلم الناس بها ، وعطف ولا الإيمان على ما الكتاب ، وإنما معناه : الإيمان الذي يدركه السمع ، لأن لنا أشياء من الإيمان لا تعلم إلا بالوحي . أما توحيد الله وبراءته عن النقائص ، ومعرفة صفاته العلا ، فجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عالمون ذلك ، معصومون أن يقع منهم زلل في شيء من ذلك ، سابق لهم علم ذلك قبل أن يوحي إليهم . وقد أطلق الإيمان على الصلاة في قوله : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } ، إذ هي بعض ما يتناوله الإيمان . .
ومن طالع سير الأنبياء من نشأتهم إلى مبعثهم ، تحقق عنده أنهم معصومون من كل نقيصة ، موحدون لله منذ نشؤوا . قال الله تعالى في حق يحي عليه السلام : { وَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً } . قال معمر : كان ابن سنتين أو ثلاث . وعن أبي العالية : ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان . وقال القاضي : { وَلاَ الإِيمَانُ } : الفرائض والأحكام . قال : وكان قبل مؤمناً بتوحيد الله ، ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل ، فزاد بالتكليف إيماناً . وقال القشيري : يجوز إطلاق الإيمان على تفاصيل الشرع . وقال الحسين بن الفضل : هو على حذف مضاف ،