@ 479 @ هو بدل من قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىءايَاتِنَا } . انتهى . ولم يتعرض بصريح الكلام في خبر إن أمذكور هو أو محذوف ، لكن قد ينتزع من كلامه هذا أنه تكلم فيه بطريق الإشارة إليه ، لأنه ادّعى أن قوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ } بدل من قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ } ، فالمحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل ، فيكون التقدير : { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىءايَاتِنَا } ، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ } ، لا يخفون علينا . وقال ابن عطية : والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر بعد { حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ، وهو أشد إظهاراً ، لأن قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } داخل في صفة الذكر المكذب به ، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه . انتهى ، وهو كلام حسن . .
والذي أذهب إليه أن الخبر مذكور ، لكنه حذف منه عائد يعود على اسم إن ، وذلك في قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } : أي الباطل منهم ، أي الكافرون به ، وحالة هذه لا يأتيه باطلهم ، أي متى رامو فيه أن يكون ليس حقاً ثابتاً من عند الله وإبطالاً له لم يصلوا إليه ، أو تكون أل عوضاً من الضمير على قول الكوفيين ، أي لا يأتيه باطلهم ، أو يكون الخبر قوله : { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } ، أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك . ولما جئت به مثل ما أوحى إلي من قبلك من الرسل ، وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك ، وفي الآخرة بالعذاب الدائم . وغاية ما في هذين التوجهين حذف الضمير العائد على اسم إن ، وهو موجود ، نحو قوله : السمن منوان بدرهم : أي منوان منه والبركرّ بدرهم : أي كر منه . وعن بعض نحاة الكوفة : الخبر في قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } ، وهذا لا يتعقل . { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } : جملة حالية ، كما تقول : جاء زيد وأن يده على رأسه ، أي كفروا به ، وهذه حاله وعزته كونه عديم النظير لما احتوى عليه من الإعجاز الذي لا يوجد في غيره من الكتب ، أو غالب ناسخ لسائر الكتب والشرائع . وقال ابن عباس : عزيز كريم على الله تعالى . وقال مقاتل : ممتنع من الشيطان . وقال السدي : غير مخلوق . وقيل : وصف بالعزة لأنه لصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه ، وهو محفوظ من الله ، { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } من جعل خبر إن محذوفاً ، أو قوله : { أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ } ، كانت هذه الجملة في موضع الصفة على ما اخترناه من أحد الوجهين تكون الجملة في موضع خبر إن ، والمعنى أن الباطل لا يتطرق إليه { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } ، تمثيل : أي لا يجد الطعن سبيلاً إليه من جهة من الجهات ، فيتعلق به . .
وأما ظهر من بعض الحمقى من الطعن على زعمهم ، ومن تأويل بعضهم له ، كالباطنية ، فقد رد عليهم علماء الإسلام وأظهروا حماقاتهم . وقال قتادة : الباطل الشيطان ، واللفظ لا يخص الشيطان . وقال ابن جبير والضحاك : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : أي كتاب من قبله فيبطله ، ولا من بعده فيكون على هذا الباطل في معنى المبطل نحو : أورس النبات فهو وارس ، أي مورس ، أو يكون الباطل بمعنى المبطل مصدراً ، فيكون كالعافية . وقيل : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : أي قبل أن يتم نزوله ، { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } : من بعد نزوله . وقيل عكس هذا . وقيل : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : قبل أن ينزل ، لأن الأنبياء بشرت به ، فلم يقدر الشيطان أن يدحض ذلك ، { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } : بعد أن أنزل . وقال الطبري : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : لا يقدر ذو باطل أن يكيده بتغيير ولا تبديل ، ولا من خلفه : لا يستطيع ذو باطل أن يلحد فيه . { تَنزِيلَ } : أي هو تنزيل ، { مّنْ حَكِيمٍ } : أي حاكم أو محكم لمعانية ، { حَمِيدٌ } : محمود على ما أسدى لعباده من تنزيل هذا الكتاب وغيره من النعم . .
{ مَّا يُقَالُ لَكَ } : يقال مبني للمفعول ، فاحتمل أن يكون القائل الله تعالى ، كما تقدم تأويلها فيه ، أي ما يوحي إليك الله إلا مثل ما أوحى إلى الرسل في شأن الكفار ، كما تأولناه على أحد الوجهين أو في الشرائع . وجوزوا على أن القائل هو الله أن يكون . { إِنَّ رَبَّكَ } : تفسير لقوله : { مَا قَدْ قِيلَ } ، فالمقول { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو * وَمَغْفِرَةٌ } للمطائعين ، { وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } للعاصين ، وهذا التأويل فيه بعد ، لأنه حصر ما أوحى الله إليه وإلى الرسل في قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } ، وهو تعالى قد أوحى إليه وإليهم أشياء كثيرة . فإذا أحذناه على الشرائع أو على عاقبة المكذبين كان الحصر صحيحاً ، وكان قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ } استئناف إخبار عنه تعالى لا تفسير لما قد قيل . ويحتمل أن يكون