@ 469 @ خلفهم على الرسل لفظاً ، وهو يعود على رسل أخرى معنى ، فكأنه قال : جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلف رسل آخرين ، فيكون كقولهم : عندي درهم ونصفه ، أي ونصف درهم آخر ، وهذا فيه بعد . وخص بالذكر من الأمم المهلكة عاد وثمود لعلم قريش بحالهما ، ولوقوعهم على بلادهم في اليمن وفي الحجر ، وقال الأفوه الأودي : % ( أضحوا كقيل بن عنز في عشيرته % .
إذ أهلكت بالذي سدى لها عاد .
) % .
% ( أو بعده كقدار حين تابعه % .
على الغواية أقوام فقد بادوا .
) % .
.
{ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ } : يصح أن تكون أن تفسيرية ، لأن مجيء الرسل إليهم يتضمن معنى القول ، أي جاءتهم مخاطبة ؛ وأن تكون مخففة من الثقيلة ، أي بأنه لا تعبدوا ، والناصبة للمضارع ، ووصلت بالنهي كما توصل بإلا ، وفي نحو : { أَن طَهّرَا } ، وكتبت إليه بأن قم ، ولا في هذه إلا وجه للنهي . ويجوز على بعد أن تكون لا نافية ، وأن ناصبة للفعل ، وقاله الحوفي ولم يذكر غيره . ومفعول شاء محذوف ، وقدره الزمخشري : لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة . انتهى . وتتبعت ما جاء في القرآن وكلام العرب من هذا التركيب فوجدته لا يكون محذوفاً إلا من جنس الجواب ، نحو قوله تعالى : { وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى } : أي لو شاء جمعهم على الهدى لجمعهم عليه ، وكذلك : { لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } ، لو نشاء جعلناه أجاج } ، { * } ، { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ } ، { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } ، { لَوْ شَآء اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } . قال الشاعر : % ( فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد % .
ولو شاء ربي كنت عمر بن مرثد .
.
) % .
وقال الراجز : % ( واللذ لو شاء لكنت صخرا % .
أو جبلاً أشم مشمخرا .
) % .
.
فعلى هذا الذي تقرر ، لا يكون تقدير المحذوف ما قاله الزمخشري ، وإنما التقدير : لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة منه إلى الإنس لأنزلهم بها إليهم ، وهذا أبلغ في الامتناع من إرسال البشر ، إذ علقوا ذلك بأقوال الملائكة ، وهو لم يشأ ذلك ، فكيف يشاء ذلك في البشر ؟ { فَإِنَّمَا * بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } : خطاب لهود وصالح ومن دعا من الأنبياء إلى الإيمان ، وغلب الخطاب على الغيبة ، نحو قولك : أنت وزيد تقومان . وما مصدرية ، أي بإرسالكم ، وبه توكيد لذلك . ويجوز أن يكون ما بمعنى الذي ، والضمير في به عائد عليه ، وإذا كفروا بما تضمنه الإرسال ، كان كفراً بالإرسال . وليس قوله : { بِمَا أُرْسِلْتُمْ } إقراراً بالإرسال ، بل هو على سبيل التهكم ، أي بما أرسلتم على زعمكم ، كما قال فرعون : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } . .
ولما بين تعالى كفر عاد وثمود على الإجمال ، فصل بعد ذلك ، فذكر خاصية كل واحدة من الطائفتين . فقال : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ } : أي تعاظموا عن امتثال أمر الله وعن ما جاءتهم به الرسل ، { بِغَيْرِ الْحَقّ } : أي بغير ما يستحقون . ولما ذكر لهم هذا الذنب العظيم ، وهو الاستكبار ، وكان فعلاً قلبياً ، ذكر ما ظهر عليهم من الفعل اللساني المعبر عن ما في القلب ، { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } : أي لا أحد أشد منا ، وذلك لما أعطاهم الله من عظم الخلق وشدة البطش . فرد الله تعالى عليهم بأن الذي أعطاهم ذلك هو أشد منهم قوة ، ومع علمهم بآيات الله ، كانوا يجحدونها ولا يعترفون بها ، كما يجحد المودع الوديعة من طالبها مع معرفته بها . ولفظه كان في كثير من الاستعمال تشعر بالمداومة ، وعبر بالقوة عن القدرة ، فكما يقال : الله أقدر منهم ، يقال : الله أقوى منهم . فالقدرتان بينهما قدر مشترك ، وإن تباينت القدرتان بما لكل منهما من الخاصة .