@ 463 @ مخففة ، أي فرقت بين الحق والباطل ؛ أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها ، من قوله : { فُصّلَتْ } : أي انفصلت ، وفصل من البلد : أي انفصل منه ، وانتصب { جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً } على أنه حال بنفسه ، وهي مؤكدة ، لأنها لا تنتقل ، أو توطئة للحال بعده ، وهي { عَرَبِيّاً } ، أو على المصدر ، أي يقرؤه قرآناً عربياً ، أو على الاختصاص والمدح . ومن جعله حالاً فقيل : ذو الحال آياته ، وقيل : كتاب ، لأنه وصف بقوله : { فُصّلَتْ ءايَاتُهُ } ، أو على إضمار فعل تقديره : فصلناه قرآناً ، أو مفعول ثان لفصلت ، أقوال ستة آخرها للأخفش . و { لِقَوْمٍ } متعلق بفصلت ، أي يعلمون الأشياء ، ويعقلون الدلائل ، فكأنه فصل لهؤلاء ، إذ هم ينتفعون به فخصوا بالذكر تشريفاً ، ومن لم ينتفع بالتفصيل فكأنه لم يفصل له ويبعد أن يتعلق بتنزيل لكونه وصف في أحد متعلقيه ، إن كان من الرحمن في موضع الصفة ، أو أبدل منه كتاب ، أو كان خبر التنزيل ، فيكون في ذلك البدل من الموصول ، والإخبار عنه قبل أخذه متعلقه ، وهو لا يجوز ، وقيل : لقوم في موضع الصفة لقوله : { عَرَبِيّاً } ، أي كائناً لقوم يعلمون ألفاظه ويتحققون أنه لم يخرج عن نمط كلامهم ، وكأنه رد على من زعم أن في القرآن ما ليس من كلام العرب . وانتصب { بَشِيراً وَنَذِيراً } على النعت لقرآناً عربياً ، وقيل : حال من آياته . وقرأ زيد بن علي : بشير ونذير برفعهما على الصفة لكتاب ، أو على خبر مبتدأ محذوف ، وبشارته بالجنة لمن آمن ، ونذارته بالنار لمن كفر . { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } : أي أكثر أولئك القوم ، أي كانوا من أهل العلم ولكن لم ينظروا النظر التام ، بل أعرضوا ، { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } لإعراضهم عن ما احتوى عليه من الحجج والبراهين ، أو لما لم ينتفع به ولم يقبله جعل كأنه لم يسمعه . .
ثم أخبر تعالى عنهم بالمقالة الدالة على امتناع قلوبهم ، والناس من رجوعهم إليه ومن سماعهم لما يتلوه ، وهو قوله تعالى ، حكاية عنهم : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِىءاذانِنَا وَقْرٌ } ، تقدم الكلام على شبه ذلك في الأنعام . وقرأ طلحة : وقر بكسر الواو ، وهذه تمثيلات لامتناع قبول الحق ، كأن قلوبهم في غلاف ، كما قالوا : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وكأن أسماعهم عند ذكر كلام الله بها صم . والحجاب : الستر المانع من الإجابة ، وهو خلاف في الدين ، لأنه يعبد الله وهم يعبدون الأصنام ، قال معناه الفراء وغيره . ويروى أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً وقال : يا محمد ، بيننا وبينك حجاب ، استهزاء منه . وقيل : تمثيل بعدم الإجابة . وقيل : عبارة عن العداوة . ومن في { مّمَّا تَدْعُونَا } إليه لابتداء الغاية ، وكذا في { وَمِن بَيْنِنَا } . فالمعنى أن الحجاب ابتدأ منا وابتدأ منك ، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب ، لا فراغ فيها ، ولو لم يأت بمن لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين ، والمقصود المبالغة بالتباين المفرط ، فلذلك جيء بمن . وقال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : على قلوبنا أكنة ، كما قيل : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى } ، ليكون الكلام على نمط واحد ؟ قلت : هو على نمط واحد ، لأنه لا فرق في المعنى بين قولك : { قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } ، والدليل عليه قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ } . ولو قيل : إنا جعلنا قلوبهم في أكنة ، لم يختلف المعنى ، وترى المطابيع منهم لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني ، وتقول : إن في أبلغ في هذا الموضع من على ، لأنهم قصدوا إفراط عدم القبول ، لحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف ، فلا يمكن أن يصل إليها شيء . كما تقول : المال في الكيس ، بخلاف قولك : على المال كيس ، فإنه لا يدل على الحصر ، وعدم الحصول دلالة الوعاء . وأما في قوله : { أَنَاْ * قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ * حم * تَنزِيلٌ مّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِىءاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } ، قال الكلبي : في هلاكنا إنا عاملون في هلاكك . وقال