@ 457 @ وأنفذه { بِالْحَقّ } ، وخسر كل مبطل ، وحصل على فساد آخرته ، أو { فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ } : وهو القتل ببدر . .
ثم ذكر تعالى آيات اعتبار وتعداد نِعم فقال : { اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاْنْعَامَ } ، وهي ثمانية الأزواج ، ويضعف قول من أدرج فيها الخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به من البهائم ، وقول من خصها بالإبل وهو الزجاج . { لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا } : وهي الإبل ، إذ لم يعهد ركوب غيرها . { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } : عام في ثمانية الأزواج ، ومن الأولى للتبعيض . وقال ابن عطية : ومن الثانية لبيان الجنس ، لأن الجمل منها يؤكل . انتهى ، ولا يظهر كونها لبيان الجنس ، ويجوز أن تكون فيه للتبعيض ولابتداء الغاية . ولما كان الركوب منها هو أعظم منفعة ، إذ فيه منفعة الأكل والركوب . وذكر إيضاً أن في الجميع منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك ، أكد منفعة الركوب بقوله : { وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ } من بلوغ الأسفار الطويلة ، وحمل الأثقال إلى البلاد الشاسعة ، وقضاء فريضة الحج ، والغزو ، وما أشبه ذلك من المنافع الدينية والدنيوية . ولما كان الركوب وبلوغ الحاجة المترتبة عليه قد يتوصل به إلى الانتقال لأمر واجب ، أو مندوب كالحج وطلب العلم ، دخل حرف التعليل على الركوب وعلى المترتب عليه من بلوغ الحاجات ، فجعل ذلك علة لجعل الأنعام لنا . ولما كان الأكل وإصابة المنافع من جنس المباحات ، لم يجعل ذلك علة في الجعل ، بل ذكر أن منها نأكل ، ولنا فيها منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك ، كما أدخل لام التعليل في لتركبوها ، ولم يدخلها على الزينة في قوله : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } . .
ولما ذكر تعالى ما امتن به من منة الركوب للإبل في البر ، ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } . ولما كان الفلك يصح أن يقال فيه : حمل في الفلك ، كقوله : { احْمِلْ فِيهَا } ، ويصح أن يقال فيه حمل على الفلك ، اعتبر لفظ على لمناسبة قوله : { وَعَلَيْهَا } ، وإن كان معنى في صحيحاً { وَيُرِيكُمْ ءايَاتِهِ } : أي حججه وأدلته على وحدانيته . { وَيُرِيكُمْ ءايَاتِهِ فَأَىَّ ءايَاتِ } : أي إنها كثيرة ، فأيها ينكر ؟ أي لا يمكن إنكار شيء منها في العقول ، { وَيُرِيكُمْ ءايَاتِهِ فَأَىَّ } منصوب بتنكرون . قال الزمخشري : { وَيُرِيكُمْ ءايَاتِهِ } جاءت على اللغة المستفيضة ، وقولك : فأية آيات الله قليل ، لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو : حمار وحمارة غريب ، وهي في أي أغرب لإبهامه . انتهى ، ومن قلة تأنيث : أي قوله : % ( بأي كتاب أم بأية سنة % .
ترى حبهم عاراً عليّ وتحسب .
) % .
وقوله : وهي في أي أغرب ، إن عنى أياً على الإطلاق فليس بصحيح ، لأن المستفيض في النداء أن يؤنث نداء المؤنث لقوله تعالى : { أَحَدٌ يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ } ، ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول : يا أيها المرأة ، إلا صاحب كتاب البديع في النحو . وإن عنى غير المناداة ، فكلامه صحيح ، فقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة ، وما في قوله : { فَمَا أَغْنَى } نافية شرطية واستفهامية في معنى النفي ، وما فيما كانوا مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وهي في موضع رفع ، والضمير في { جَاءتْهُمْ } عائد على { الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . وجاء قوله : { مّن الْعِلْمِ } على جهة التهكم بهم ، أي في الحقيقة لا علم لهم ، وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل ، وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبّى لاجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً } ، أو اعتقدوا أن عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء ، كما تزعم الفلاسفة . والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله ، دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم . ولما سمع سقراط ، لعنه الله ، بموسى ، صلوات الله على نبينا وعليه ، قيل له : لو هاجرت إليه ، فقال : نحن قوم مهذبون ، فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا . وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد . وقيل : الضمير في { فَرِحُواْ } ، وفي { بِمَا عِندَهُمْ } عائد على الرسل ، أي فرحت الرسل بما أوتوا من العلم ، وشكروا الله عليه ، لما رأوا جهل من أرسلوا إليهم واستهزاءهم بالحق ، وعلموا سوء عاقبتهم . وقيل : الضمير في { فَرِحُواْ } عائد على الأمم ، وفي { بِمَا عِندَهُمْ } عائد على الرسل ، أي فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء . وقال