@ 455 @ فالمعنى عنده : وفي السلاسل يسحبون . وقال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ، لو قلت : زيد في الدار ، لم يحسن أن تضمر في فتقول : زيد الدار ، ثم ذكر تأويل الفراء ، وخرج القراءة ثم قال : كما تقول : خاصم عبد الله زيداً العاقلين ، بنصب العاقلين ورفعه ، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر . انتهى ، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي ، قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول ، وقرىء : وبالسلاسل يسحبون ، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأول الخفض على إضمار حرف الجر ، وهو تأويل شذوذ . وقال ابن عباس : في قراءة من نصب والسلاسل ، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها ، فهو أشد عليهم ، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون . وقال مجاهد : { يُسْجَرُونَ } : يطرحون فيها ، فيكونون وقوداً لها . وقال السدي : يسجرون : يحرقون . .
ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع ، فيقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا ؟ فيقولون : { ضَلُّواْ عَنَّا } : أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا ، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون : { بَل لَّمْ نَكُنْ * نَعْبُدُ * شَيْئاً } ، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر . .
ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئاً ، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئاً ، كما تقول : حسبت أن فلاناً شيء ، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته ، فلم تر عنده جزاء ، وقولهم : { ضَلُّواْ عَنَّا } ، مع قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } ، يحتمل أن يكون ذلك عند تقريعهم ، فلم يكونوا معهم إذ ذاك ، أو لما لم ينفعوهم قالوا : { ضَلُّواْ عَنَّا } ، وإن كانوا معهم . { كَذالِكَ } : أي مثل هذه الصفة وبهذا الترتيب ، { يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ } ، وقال الزمخشري : أي مثل ضلال آلهتهم عنهم ، يضلهم عن آلهتهم ، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا . ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح ، { * بغيرالحق } : وهو الشرك عبادة الأوثان . وقال ابن عطية : ذلك العذاب الذي أنتم فيه مما كنتم تفرحون في الأرض بالمعاصي والكفر . انتهى . و { كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } ، قال ابن عباس : الفخر والخيلاء ؛ وقال مجاهد : الاشر والبطر . انتهى ، فقال لهم ذلك توبيخاً أي إيماناً لكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعاصي وكثرة المال والاتباع والصحة . وقال الضحاك : الفرح والسرور ، والمرح : العدوان ، وفي الحديث : ( إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ) . وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع ، وهو أن يكون الحرف فرقاً بين الكلمتين . .
{ ادْخُلُواْ أَبْوابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } : الظاهر أنه قيل لهم : ادخلوا بعد المحاورة السابقة ، وهم قد كانوا في النار ، ولكن هذا أمر يقيد بالخلود ، وهو الثواء الذي لا ينقطع ، فليس أمراً بمطلق الدخول ، أو بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة أبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار ، فكان ذلك أمراً بالدخول يفيد التجزئة لكل باب . وقال ابن عطية : وقوله تعالى : { أَدْخِلُواْ } معناه : يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا ، لأن هذه المخاطبة إنما هي بعد دخولهم ، وفي الوقت الذي فيه الأغلال في أعناقهم . وأبواب جهنم : هي السبعة المؤدّية إلى طبقاتها وأدراكها السبعة . انتهى . وخالدين : حال مقدرة ، ودلت على الثواء الدائم ، فجاء التركيب : { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ } : فبئس مدخل المتكبرين ، لأن نفس الدخول لا يدوم ، فلم يبالغ في ذمّه ، بخلاف الثواء الدائم . .
{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ ( سقط : الآية كاملة ) } .