@ 448 @ .
قال مقاتل : لما قال هذه الكلمات ، قصدوا قتله ؛ فهرب هذا المؤمن إلى الجبل ، فلم يقدروا عليه . وقيل : لما أظهر إيمانه ، بعث فرعون في طلبه ألف رجل ؛ فمنهم من أدركه ، فذب السباع عنه وأكلتهم السباع ، ومنهم من مات في الجبال عطشاً ، ومنهم من رجع إلى فرعون خائباً ، فاتهمه وقتله وصلبه . وقيل : تجامع موسى في البحر ، وفر في جملة من فر معه . { فَوقَاهُ اللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ } : أي شدائد مكرهم التي تسوؤه ، وما هموا به من أنواع العذاب لمن خالفهم . { وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ سُوء الْعَذَابِ } ، قال ابن عباس : هو ما حاق بالألف الذين بعثهم فرعون في طلب المؤمن ، من أكل السباع ، والموت بالعطش ، والقتل والصلب ، كما تقدم . وقيل : { سُوء الْعَذَابِ } : هو الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة . { النَّارِ } بدل من { سُوء الْعَذَابِ } ، أو خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : ما سوء العذاب : قيل : النار ، أو مبتدأ خبره { يُعْرَضُونَ } ، ويقوي هذا الوجه قراءة من نصب ، أي تدخلون النار يعرضون عليها . وقال الزمخشري : ويجوز أن ينصب على الاختصاص . .
والظاهر أن عرضهم على النار مخصوص بهذين الوقتين ، ويجوز أن يراد بذكر الطرفين الدوام في الدنيا ، والظاهر أن العرض خلاف الإحراق . وقال الزمخشري : عرضهم عليها : إحراقهم بها ، يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به . انتهى ، والظاهر أن العرض هو في الدنيا . وروي ذلك عن الهذيل بن شرحبيل ، وعن ابن مسعود والسدي : أن أرواحهم في جوف طيور سود ، تروح بهم وتغدوا إلى النار . وقال رجل للأوزاعي : رأيت طيوراً بيضاً تغدوا من البحر ، ثم تروح بالعشي سوداً مثلها ، فقال الأوزاعي : تلك التي في حواصلها أرواح آل فرعون ، يحرق رياشها وتسود بالعرض على النار . وقال محمد بن كعب وغيره : أراد أنهم يعرضون في الآخرة على تقدير ما بين الغدوّ والعشي ، إذ لا غدوّ ولا عشي في الآخرة ، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا . وعن ابن مسعود : تعرض أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار على النار بالغداة والعشي ، يقال : هذه داركم . .
وفي صحيح البخاري ، ومسلم ، من حديث ابن عمران ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال : ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ) . واستدل مجاهد ومحمد بن كعب وعكرمة ومقاتل بقوله : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } : أي عند موتهم على عذاب القبر في الدنيا . والظاهر تمام الجملة عند قوله : { وَعَشِيّاً } ، وأن يوم القيامة معمول لمحذوف على إضمار القول ، أي ويوم القيامة يقال لهم : ادخلوا . وقيل : ويوم معطوف على وعشياً ، فالعامل فيه يعرضون ، وأدخلوا على إضمار الفعل . وقيل : العامل في يوم أدخلوا . وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعمش ، وابن وثاب ، وطلحة ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص : أدخلوا ، أمراً للخزنة من أدخل . وعليّ ، والحسن ، وقتادة ، وابن كثير ، والعربيان ، وأبو بكر : أمراً من دخل آل فرعون أشد العذاب . قيل : وهو الهاوية . قال الأوزاعي : بلغنا أنهم ألفا ألف وستمائة ألف . .
{ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ } : الظاهر أن الضمير عائد على فرعون . وقال ابن عطية : والضمير في قوله : { يَتَحَاجُّونَ } لجميع كفار الأمم ، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون ، والعامل في إذ فعل مضمر تقديره واذكروا . وقال الطبري : وإذ هذه عطف على قوله : { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } ، وهذا بعيد . انتهى ، والمحاجة : التحاور بالحجة والخصومة . والضعفاء : أي في القدر والمنزلة في الدنيا . والذين استكبروا : أي عن الإيمان واتباع الرسل . { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } : أي ذوي تبع ، فتبع مصدر أو اسم جمع لتابع ، كآيم وأيم ، وخادم وخدم ، وغائب وغيب . { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } : أي حاملون عنا ؟ فأجابوهم : { إِنَّا كُلٌّ فِيهَا } ، وأن حكم الله قد نفذ فينا وفيكم ، إنا مستمرون في النار . وقرأ ابن المسيقع ، وعيسى بن عمران : كلا بنصب كل . وقال الزمخشري ، وابن عطية : على التوكيد