@ 461 @ وإخراجهم خبر . انتهى ما نقله في هذا القول . والمنقول عن الكوفيين عكس هذا الإعراب ، وهو أن يكون الفصل قد قدم مع الخبر مع المبتدأ ، فإعراب محرم عندهم خبر متقدم ، وإخراجهم مبتدأ ، وهو المناسب للقواعد ، إذ لا يبتدأ بالاسم إذا كان نكرة ، ولا مسوغ لها ، ويكون الخبر معرفة ، بل المستقر في لسانهم عكس هذا ، إلا إن كان يرد في شعر ، فيسمع ولا يقاس عليه . قال ابن عطية : وقيل هو الضمير المقدّر في محرم قدم وأظهر . انتهى ما نقله في هذا القول . وهذا القول ضعيف جداً ، إذ لا موجب لتقدّم الضمير ، ولا لبروزه بعد استتاره ، ولأنه يؤدّي إلى خلو اسم المفعول من ضمير ، إذ على هذا القول يكون محرّم خبراً مقدّماً ، وإخراجهم مبتدأ ، ولا يوجد اسم فاعل ولا مفعول عارياً من الضمير ، إلا إذا رفع الظاهر . ولا يمكن هنا أن يرفع الظاهر ، لأن الضمير المنفصل المقدم هو كان الضمير المرفوع بمحرم ، ثم يبقى هذا الضمير لا يدري ما إعرابه ، إذ لا جائز أن يكون مبتدأ ، ولا جائز أن يكون فاعلاً مقدّماً . قال ابن عطية : وقيل هو ضمير الإخراج ، تقديره : وإخراجهم محرم عليكم . انتهى ما نقله في هذا القول ، ولم يبين وجه ارتفاع إخراجهم ، ولا يتأتى على أن يكون هو ضميره ، ويكون إخراجهم تفسيراً لذلك المضمر ، إلا على أن يكون إخراجهم بدلاً من الضمير . وقد تقدم أن في ذلك خلافاً ، منهم من أجاز ومنهم من منع . .
{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } : هذا استفهام معناه التوبيخ والإنكار . ولم يذمّهم على الفداء ، بل على المناقضة ، إذ أتوا ببعض الواجب ، وتركوا بعضاً . وتكون المناقضة آكد في الذمّ ، ولا يقال الإخراج معصية . فلم سماها كفراً ؟ لأنا نقول : لعلهم صرّحوا بأن ترك الإخراج غير واجب ، مع أن صريح التوراة كان دالاً على وجوبه . والبعض الذي آمنوا به ، إن كان المراد بالكتاب التوراة ، فيكون عامًّا فيما آمنوا به من أحكامها ، وفداء الأسير من جملته . والبعض الذي كفروا به : هو قتل بعضهم بعضاً ، وإخراج بعضهم من ديارهم ، والمظاهرة بالإثم والعدوان ، من جملة ما كفروا به من التوراة . وقيل : معناه يستعملون البعض ويتركون البعض ، تفادون أسرى قبيلتكم ، وتتركون أسرى أهل ملتكم ولا تفادونهم . وقيل : إن عبد الله بن سلام مرّ على رأس الجالوت بالكوفة ، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه الحرب ، ولا يفادي من وقع عليه الحرب . قال : فقال ابن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلهنّ . وقال مجاهد : معناه إن وجدته في يد غيرك فديته ، وأنت تقتله بيدك . وقيل : المراد التنبيه على أنهم في تمسكهم بنبوّة موسى ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، مع التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم ) ، مع أن الحجة في أمرهما سواء ، فجروا مجرى سلفهم ، أن يؤمنوا ببعض ، ويكفروا ببعض . قالوا : ويجوز أن يراد بالكتاب هنا المكتوب عليهم من هذه الأحكام الأربعة ، أي المفروض ، والذي آمنوا به منها فداء الأسرى ، والذي كفروا به باقي الأربعة . .
{ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذالِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا } : الجزاء يطلق في الخير والشر . قال : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } ، وقال : { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } . والخزي هنا : الفضيحة ، والعقوبة ، والقصاص فيمن قتل أو ضرب الجزية غابر الدهر ، أو قتل قريظة وإجلاء النضير من منازلهم إلى أريحا ، وأذرعات ، أو غلبة العدوّ ، أقوال خمسة . ولا يتأتى القول بالجزية ولا الجلاء إلا إن حملنا الآية على الذين كانوا معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، والأولى أن يكون المراد هو الذمّ العظيم والتحقير البالغ من غير تخصيص . وإلاّ خزي : استثناء مفرّغ ، وهو خبر المبتدأ . ونقض النفي هنا نقض لعمل ما على خلاف في المسألة ، وتفصيل وذلك : أن الخبر إذا تأخر وأدخلت عليه إلاّ ، فإما أن يكون هو الأوّل ، أو منزلاً منزلته ، أو وصفاً ، إن كان الأول في المعنى ، أو منزلاً منزلته ، لم يجز فيه إلا الرفع عند الجمهور . وأجاز الكوفيون النصب فيما كان الثاني فيه منزلاً منزلة الأوّل ، وإن كان وصفاً أجاز الفراء فيه النصب ، ومنعه البصريون . ونقل عن يونس : إجازة النصب في الخبر بعد إلا كائناً ما كان ، وهذا مخالف لما نقله أبو جعفر النحاس ، قال : لا خلاف بين النحويين في قولك : ما زيد إلا أخوك ، إنه لا يجوز إلا بالرفع . قال : فإن قلت ما أنت إلا لحيتك ، فالبصريون يرفعون ، والمعنى عندهم : ما فيك إلا لحيتك ، وكذا : ما أنت إلا عيناك . وأجاز في هذا الكوفيون النصب ، ولا يجوز النصب عند البصريين في غير المصادر ، إلا أن يعرف المعنى ، فتضمر ناصباً نحو : ما أنت إلا لحيتك مرة وعينك أخرى ، وما أنت إلا عمامتك تحسيناً ورداءك تزييناً . .
{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدّ الّعَذَابِ } : يوم القيامة عبارة عن