@ 460 @ قال ابن عطية : وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضاد المقبح لفعلهم في الإخراج ، يعني : أنه لا يناسب من أسأتم إليه بالإخراج من ديارهم أن تحسنوا إليهم بالفداء ، ومعنى تفادوهم : تفدوهم ، إذ المفاعلة تكون من اثنين ، ومن واحد . ففاعل بمعنى : فعل المجرد ، وهو أحد معانيها . وقيل : معنى فادى : بادل أسيراً بأسير ، ومعنى فدى : دفع الفداء ، ويشهد للأوّل قول العباس : فاديت نفسي وفاديت عقيلاً . ومعلوم أنه ما بادل أسيراً بأسير . وقيل : معنى تفدوهم بالصلح ، وتفادوهم بالعنف . وقيل تفادوهم : تطلبوا الفدية من الأسير الذي في أيديكم من أعدائكم ، ومنه قوله : % ( قفي فادي أسيرك إن قومي % .
وقومك ما أرى لهم اجتماعا .
) % .
وتفدوهم : تعطوا فديتهم . وقال أبو علي معنى تفادوهم في اللغة ، تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنه شيئاً . وفاديت نفسي : أي أطلقتها بعد أن دفعت شيئاً . وفادى وفدى يتعدّيان إلى مفعولين ، الثاني بحرف جر ، وهو هنا به محذوف . { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } : تقدّمت أربعة أشياء : قتل النفس ، والإخراج من الديار ، والتظاهر ، والمفاداة ، وهي محرّمة . واختص هذا القسم بتأكيد التحريم ، وإن كانت كلها محرّمة ، لما في الإخراج من الديار من معرّة الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره إلا بالموت ، وذلك بخلاف القتل ، لأن القتل ، وإن كان من حيث هو هدم البنية ، أعظم ، لكن فيه انقطاع الشر ، وبخلاف المفاداة بها ، فإنها من جريرة الإخراج من الديار والتظاهر ، لأنه لولا الإخراج من الديار والتظاهر عليهم ، ما وقعوا في قيد الأسر . وقد يكون أيضاً مما حذف فيه من كل جملة ذكر التحريم ، ويكون التقدير : تقتلون أنفسكم ، وهو محرّم عليكم ، وكذا باقيها . وارتفاع هو على الابتداء ، وهو إما ضمير الشأن ، والجملة بعده خبر عنه ، وإعرابها أن يكون إخراجهم مبتدأ ومحرّم خبراً ، وفيه ضمير عائد على الإخراج ، إذ النية به التأخير . ولا يجيز الكوفيون تقديم الخبر إذاكان متحملاً ضميراً مرفوعاً . فلا يجيزون : قائم زيد ، على أن يكون قائم خبراً مقدّماً ، فلذلك عدلوا إلى أن يكون خبر هو قوله محرّم ، وإخراجهم مرفوع به مفعولاً لم يسم فاعله ، وتبعهم على هذا المهدوي . ولا يجيز هذا الوجه البصريون ، لأن عندهم أن ضمير الشأن لا يخبر عنه إلا بجملة مصرّح بجزأيها ، وإذا جعلت قوله محرّم خبراً عن هو ، وإخراجهم مرفوعاً به ، لزم أن يكون قد فسر ضمير الشأن بغير جملة . وهو لا يجوز عند البصريين كما ذكرنا . وأجازوا أيضاً أن يكون هو مبتدأ ، ليس ضمير الشأن ، بل هو عائد على الإخراج ، ومحرّم خبر عنه ، وإخراجهم بدل . وهذا فيه خلاف . منهم من أجاز أن يفسر المضمر الذي لم يسبق له ما يعود عليه بالبدل ، ومنهم من منع . وأجازه الكسائي ، وفي بعض النقول . وأجاز الكوفيون أن يكون هو عماداً ، وهو الذي يعبر عنه البصريون بالفصل ، وقد تقدّم مع الخبر . والتقدير : وإخراجهم هو محرّم عليكم ، فلما قدم خبر المبتدأ على المبتدأ ، أقدم معه الفصل . قال الفراء : لأن الواو ها هنا تطلب الاسم ، وكل موضع تطلب فيه الاسم ، فالعماد فيه جائز . ولا يجوز هذا التخريج عند البصريين ، لأن فيه أمرين لا يجوزان عندهم : أحدهما : وقوع الفصل بين معرفة ونكرة لا تقارب المعرفة ، إذ التقدير : وإخراجهم هو محرّم ، فمحرّم نكرة لا تقارب المعرفة . الثاني : أن فيه تقديم الفصل ، وشرطه عند البصريين أن يكون متوسطاً بين المبتدأ والخبر ، أو بين ما هما أصله ، وهذه كلها مسائل تحقق في علم النحو . .
ووقع في كتاب ابن عطية في هذا المكان أقوال تنتقد ، وهو أنه قال : قيل في هو إنه ضمير الأمر ، تقديره : والأمر محرّم عليكم ، وإخراجهم في هذا القول بدل من هو . انتهى ما نقله في هذا القول ، وهذا خطأ من وجهين . أحدهما ؛ أنه أخبر عن ضمير الأمر بمفرد ، ولا يجيز ذلك بصري ولا كوفي . أما البصري ، فلأن مفسر ضمير الأمر لا بد أن يكون جملة ، وأما الكوفي ، فلأنه يجيز الجملة ويجيز المفرد ، إذا كان قد انتظم منه ومما بعده مسند ومسند إليه في المعنى ، نحو قولك : ظننته قائماً الزيدان . والثاني : أنه جعل إخراجهم بدلاً من ضمير الأمر ، وضمير الأمر لا يعطف عليه ، ولا يبدل منه ، ولا يؤكد . قال ابن عطية : وقيل هو فاصلة ، وهذا مذهب الكوفي ، وليست هنا بالتي هي عماد ، ومحرم على هذا ابتداء ،