@ 442 @ غير روية ولا فكر في أمره ؟ انتهى . وهذا الذي أجازه من تقدير المضاف المحذوف الذي هو وقت لا يجوز ، تقول : جئت صياح الديك ، أي وقت صياح الديك ، ولا أجيء أن يصيح الديك ، نص على ذلك النحاة ، فشرط ذلك أن يكون المصدر مصرحاً به لا مقدراً ، وأن يقول ليس مصدراً مصرحاً به . { بِالْبَيِّنَاتِ } : بالدلائل على التوحيد ، وهي التي ذكرها في طه والشعراء حالة محاورته له في سؤاله عن ربه تعالى . .
ولما صرح بالإنكار عليهم ، غالطهم بعد في أن قسم أمره إلى كذب وصدق ، وأدّى ذلك في صورة احتمال ونصيحة ، وبدأ في التقسيم بقوله : { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } ، مداراة منه وسالكاً طريق الإنصاف في القول ، وخوفاً إذا أنك عليهم قتله أنه ممن يعاضده ويناصره ، فأوهمهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره ، ويكون ذلك أدنى لتسليمهم . ومعنى { فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } : أي لا يتخطاه ضرره . { وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ } ، وهو يعتقد أنه نبي صادق قطعاً ، لكنه أتى بلفظ بعض لإلزام الحجة بأسرها في الأمر ، وليس فيه نفي أن يصيبهم كل ما يعدهم . وقالت فرقة : يصبكم بعض العذاب الذي يذكر ، وذلك كان في هلاكهم ، ويكون المعنى : يصبكم القسم الواحد مما يعد به ، وذلك هو بعض مما يعد ، لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعمة ، وإن كفروا بالنقمة . وقالت فرقة : بعض الذي يعدكم عذاب الدنيا ، لأنه بعض عذاب الآخرة ، ويصيرون بعد ذلك إلى النار . وقال أبو عبيدة وغيره : بعض بمعنى كل ، وأنشدوا عمرو بن شسيم القطامي : % ( قد يدرك المتأني بعض حاجته % .
وقد يكون مع المستعجل الزلل .
) % .
وقال الزمخشري : وذلك أنه حين فرض صادقاً ، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد ، ولكنه أردفه { يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ } ، ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام ، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه وافياً فضلاً أن يتعصب له . فإن قلت : وعن أبي عبيدة أنه قسم البعض بالكل ، وأنشد بيت لبيد وهو : % ( تراك أمكنة إذا لم أرضها % .
ويريك من بعض النفوس حمامها .
) % .
.
قلت : إن صحت الرواية عنه فقد حق في قول المازني في مسألة العافي كان أحفى من أن يفقه ما أقول له . انتهى ، ويعني أن أبا عبيدة خطأه الناس في اعتقاده أن بعضاً يكون بمعنى كل ، وأنشدوا أيضاً في كون بعض بمعنى كل قول الشاعر : % ( إن الأمور إذا الأحداث دبرها % .
دون الشيوخ في بعضها خللا .
) % .
.
أي : إذا رأى الأحداث ، ولذلك قال دبرها ولم يقل دبروها ، راعي المضاف المحذوف . { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } فيه : إشارة إلى علو شأن موسى ، عليه السلام ، وأن من اصطفاه الله للنبوة لا يمكن أن يقع منه إسراف ولا كذب ، وفيه تعريض بفرعون ، إذ هو غاية الإسراف على نفسه بقتل أبناء المؤمنين ، وفي غاية الكذب ، إذ ادّعى الإلهية والربوبية ، ومن هذا شأنه لا يهديه الله . وفي الحديث : ( الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل يس ، ومؤمن آل فرعون ، وعليّ بن أبي طالب ) . وفي الحديث : ( أنه عليه السلام ، طاف بالبيت ، فحين فرغ أخذ بمجامع ردائه ، فقالوا : له أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا ؟ فقال : أنا ذاك ، فقام أبو بكر ، رضي الله عنه ، فالتزمه من ورائه وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) ، رافعاً صوته بذلك وعيناه تسفحان بالدموع حتى أرسلوه . وعن جعفر الصادق : أن مؤمن آل فرعون قال ذلك سرًّا ، وأبو بكر قاله ظاهراً . وقال السدي : مسرف بالقتل . وقال قتادة : مسرف بالكفر . وقال صاحب