@ 438 @ أن ينادي مناد : { لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } ؟ فيجيبوا كلهم : { للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } . روي أنه تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعاً ، فيجيب نفسه بقوله : { للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } ، فيجيب الناس ، وإنما خص التقرير باليوم ، وإن كان الملك له تعالى في ذلك اليوم وفي غيره ، لظهور ذلك للكفرة والجهلة ووضوحه يوم القيامة . .
وإذا تأمّل من له مسكة عقل تسخير أهل السموات الأرض ، ونفوذ القضاء فيهم ، وتيقن أن لا ملك إلا لله ، ومن نتائج ملكه في ذلك اليوم جزاء كل نفس بما كسبت ، وانتفاء الظلم ، وسرعة الحساب ، إن حسابهم في وقت واحد لا يشغله حساب عن حساب . قال ابن عطية : وهذه الآية نص في أن الثواب والعقاب معلق باكتساب العبد . انتهى ، وهو على طريقة الأشعرية . وروى أن يوم القيامة لا ينتصف حتى يقيل المؤمنون في الجنة والكافرون في النار . و { يَوْمَ الاْزِفَةِ } : هو يوم القيامة ، يأمر تعالى نبيه أن ينذر العالم ويحذرهم منه ومن أهواله ، قاله مجاهد وابن زيد . والآزفة صفة لمحذوف تقديره يوم الساعة الآزفة ، أو الطامة الآزفة ونحو هذا . ولما اعتقب كل إنذار نوعاً من الشدة والخوف وغيرهما ، حسن التكرار في الآزفة القريبة ، كما تقدم ، وهي مشارفتهم دخول النار ، فإنه إذ ذاك تزيغ القلوب عن مقارها من شدة الخوف . وقال أبو مسلم : يوم الآزفة : يوم المنية وحضور الأجل ، يدل عليه أنه يعدل وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق ، ويوم بروزهم ، فوجب أن يكون هذا اليوم غيره ، وهذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات ، يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب ، وأيضاً فالصفات المذكورة بعد قوله : { يَوْمَ الاْزِفَةِ } ، لائقة بيوم حضور المنية ، لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب لعظم خوفه ، يكاد قلبه يبلغ حنجرته من شدّة الخوف ، ولا يكون له حميم ولا شفيع يرفع عنه ما به من أنواع الخوف . .
{ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } ، قيل : يجوز أن يكون ذلك يوم القيامة حقيقة ، ويبقون أحياء مع ذلك بخلاف حالة الدنيا ، فإن من انتقل قلبه إلى حنجرته مات ، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن ما يبلغون إليه من شدة الجزع ، كما تقول : كادت نفسي أن تخرج ، وانتصب كاظمين على الحال . قال الزمخشري : هو حال عن أصحاب القلوب على المعنى ، إذا المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها ، ويجوز أن تكون حالاً عن القلوب ، وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها ، مع بلوغها الحناجر . وإنما جمع الكاظم جمع السلامة ، لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء ، كما قال : { رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ } . وقال : فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ويعضده قراءة من قرأ : كاظمون ، ويجوز أن يكون حالاً عن قوله : أي وانذرهم مقدرين . وقال ابن عطية : كاظمين حال ، مما أبدل منه قوله تعالى : { تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَارُ * مُهْطِعِينَ } : أراد تشخص فيه أبصارهم ، وقال الحوفي : القلوب رفع بالإبتداء ، ولدى الحناجر الخبر متعلق بمعنى الاستقرار . وقال أبو البقاء : كاظمين حال من القلوب ، لأن المراد أصحابها . انتهى . { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } : أي محب مشفق ، ولا شفيع يطاع في موضع الصفة لشفيع ، فاحتمل أن يكون في موضع خفض على اللفظ ، وفي موضع رفع على الموضع واحتمل أن ينسحب النفي على الوصف فقط ، فيكون من شفيع ، ولكنه لا يطاع ، أي لا تقبل شفاعته ، واحتمل أن ينسحب النفي على الموصوف وصفته : أي لا شفيع فيطاع ، وهذا هو المقصود في الآية أن الشفيع عند الله إنما يكون من أوليائه تعالى ، ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضاه الله وأيضاً فيكون في زيادة التفضل والثواب ولا يمكن شيء من هذا في حق الكافر . وعن الحسن : والله لا يكون لهم شفيع البتة ، { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ } ، كقوله : .
وإن سقيت كرام الناس فاسقينا .
أي الناس الكرام ، وجوزوا أن تكون خائنة مصدراً ، كالعافية والعاقبة ، أي يعلم خيانة الأعين . ولما كانت الأفعال التي يقصد بها التكتم بدنية ، فأخفاها خائنة الأعين من كسر جفن وغمز ونظر يفهم معنى