@ 351 @ وهربوا منه إلى عيدهم ، ولذلك قال : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } ، قال معناه ابن عباس ، وتركوه في بيت الأصنام ففعل ما فعل . وقيل : كانوا أهل رعاية وفلاحة ، وكانوا يحتاجون إلى علم النجوم . وقيل : أرسل إليهم ملكهم أن غداً عيدنا ، فاحضر معنا ، فنظر إلى نجم طالع فقال : إن يطلع مع سقمي . وقيل : معنى { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ } ، أي فيما نجم إليه من أمور قومه وحاله معهم ، ومعنى : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } ، أي لكفرهم به واحتقارهم له ، وقوله : { إِنّى سَقِيمٌ } ، من المعاريض ، عرض أنه يسقم في المآل ، أي يشارف السقم . قيل : وهو الطاعون ، وكان أغلب ، وفهموا منه أنه ملتبس بالسقم ، وابن آدم لا بد أن يسقم ، والمثل : كفى بالسلامة داء . قال الشاعر : % ( فدعوت ربي بالسلامة جاهدا % .
ليصحني فإذا السلامة داء .
) % .
.
ومات رجل فجأة ، فاكتنف عليه الناس فقالوا : مات وهو صحيح ، فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقه ؟ { فَرَاغَ إِلَىءالِهَتِهِمْ } : أي أصنامهم التي هي في زعمهم آلهة ، كقوله : { أَيْنَ شُرَكَائِىَ } ، وعرض الأكل عليها . واستفهامها عن النطق هو على سبيل الهزء ، لكونها منحطة عن رتبة عابديها ، إذ هم يأكلون وينطقون . وروي أنهم كانوا يضعون عندها طعاماً ، ويعتقدون أنها تصيب منه شيئاً ، وإنما يأكله خدمتها . { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ } : أي أقبل عليهم مستخفياً ضارباً ، فهو مصدر فى موضع الحال ، أو يضربهم ضرباً ، فهو مصدر فعل محذوف ، أو ضمن فراغ عليهم معنى ضربهم ، وباليمين : أي يمين يديه . قال ابن عباس : لأنها أقوى يديه أو بقوته ، لأنه قيل : كان يجمع يديه في الآلة التي يضربها بها وهي الفأس . وقيل : سبب الحلف الذي هو : { وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } . .
وقرأ الجمهور : { يَزِفُّونَ } ، بفتح الياء ، من زف : أسرع ، أو من زفاف العروس ، وهو التمهل في المشية ، إذ كانوا في طمأنينة أن ينال أصنامهم شيء لعزتهم . وقرأ حمزة ، ومجاهد ، وابن وثاب ، والأعمش : بضم الياء ، من أزف : دخل في الزفيف ، فهي للتعدي ، قاله الأصمعي . وقرأ مجاهد أيضاً ، وعبد الله بن يزيد ، والضحاك ، ويحيى بن عبد الرحمن المقري ، وابن أبي عبلة : يزفون مضارع زف بمعنى أسرع . وقال الكسائي ، والفراء : لا نعرفها بمعنى زف . وقال مجاهد : الوزيف : السيلان . وقرىء : يزفون مبنياً للمفعول . وقرىء : يزفون بسكون الزاى ، من زفاه إذا حداه ، فكان بعضهم يزفو بعضاً لتسارعهم إليه . وبين قوله : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ } وبين قوله : { فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } جمل محذوفة هي مذكورة في سورة اقترب ، ولا تعارض بين قوله : { فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } وبين سؤالهم { مَن فَعَلَ هَاذَا بِئَالِهَتِنَا } ، وأخبار من عرض بأنه إبراهيم كان يذكر أصنامهم ، لأن هذا الإقبال كان يقتضي تلك الجمل المحذوفة ، أي فأقبلوا إليه ، أي إلى الإنكار عليه في كسر أصنامهم وتأنيبه على ذلك . وليس هذا الإقبال من عندهم ، بل بعد مجيئهم من عندهم جرت تلك المفاوضات المذكورة في سورة اقترب . .
واستسلف الزمخشري في كلامه أشياء لم تتضمنها الآيات ، صارت الآيات عنده بها كالمتناقضة . قال ، حيث ذكر ههنا : إنهم أدبروا عنه خيفة العدوى ، فلما أبصروه يكسر أصنامهم ، أقبلوا إليه متبادرين ليكفوه ويقعوا به . وذكرتم أنهم سألوا عن الكاسر حتى قيل : سمعنا إبراهيم يذمهم ، فلعله هو الكاسر . ففي إحداهما أنهم شاهدوه يكسرها ، وفي الآخرى أنهم استدلوا بذمه على أنه الكاسر . انتهى . ما أبدى من التناقض ، وليس في الآيات ما يدل على أنهم أبصروه يكسرهم ، فيكون فيه كالتناقض . ولما قرر أنه كالتناقض قال : قلت فيه وجهان : أحدهما : أن يكون الذين أبصروه وزفوا إليه نفراً منهم دون جمهورهم وكبرائهم ، فلما رجع الجمهور والعلية من عندهم إلى بيت الأصنام ليأكلوا الطعام الذي وضعوه عندها لتبرك عليه ورأوها مكسورة ، اشمأزوا من ذلك وسألوا من فعل هذا بها ؟ لم ينم عليه أولئك النفر نميمة صريحة ، ولكن على سبيل التورية والتعريض بقولهم : سمعنا فتى يذكرهم