@ 350 @ .
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْراهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَءفْكاً ءالِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ * فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىءالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُواْ ابْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ * فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الاْسْفَلِينَ } . .
والظاهر عود الضمير في { مِن شِيعَتِهِ } على نوح ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، أي ممن شايعه في أصول الدين والتوحيد ، وان اختلفت شرائعهما ، أو اتفق أكثرهما ، أو ممن شايعه في التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين . وكان بين نوح وإبراهيم ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة ، وبينهما من الأنبياء هود وصالح ، عليهما السلام . وقال الفراء : الضمير فى { مِن شِيعَتِهِ } يعود على محمد صلى الله عليه وسلم ) والأعرف أن المتأخر في الزمان هو شيعة للمتقدم ، وجاء عكس ذلك في قول الكميت : % ( وما لي إلا آل أحمد شيعة % .
ومالي إلا مشعب الحق مشعب .
) % .
.
جعلهم شيعة لنفسه . وقال الزمخشري : فإن قلت : بم يتعلق الظرف ؟ قلت : بما في الشيعة من معنى المشايعة ، يعني : وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإبراهيم ، أو بمحذوف ، وهو اذكر . انتهى . أما التخريج الأول فلا يجوز ، لأن فيه الفضل بين العامل والمعمول بأجنبي ، وهو قوله : { لإِبْراهِيمَ } ، لأنه أجنبي من شيعته ومن إذ ، وزاد المنع ، إذ قدره ممن شايعه حين جاء لإبراهيم . وأيضاً فلام التوكيد يمنع أن يعمل ما قبلها فيما بعدها . لو قلت : إن ضار بالقادم علينا زيداً ، وتقديره : ضارباً زيداً لقادم علينا ، لم يجز . وأما تقديره اذكر ، فهو المعهود عند المعربين . ومجيئه ربه بقلب سليم : إخلاصه الدين لله ، وسلامة قلبه : براءته من الشرك والشك والنقائص التي تعتري القلوب من الغل والحسد والخبث والمكر والكبر ونحوها . قال عروة بن الزبير : لم يعلن شيئاً قط . وقيل : سليم من الشرك ولا معنى للتخصيص . وأجازوا في نصب { * أئفكاً } وجوها : أحدها : أن يكون مفعولاً بتريدون ، والتهديد لأمته ، وهو استفهام تقرير ، ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه ، وذكره الزمخشري قال : فسر الإفك بقوله : آلهة من دون الله ، على أنها إفك في أنفسهم . والثاني : أن يكون مفعولا من أجله أي : تريدون آلهة من دون الله فكاً ، وآلهة مفعول به ، وقدمه عناية به ، وقدم المفعول له على المفعول به ، لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ، وبدأ بهذا الوجه الزمخشري . والثالث : أن يكون حالاً ، أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين ؟ قاله الزمخشري ، وجعل المصدر حالاً لا يطرد إلا مع أما في نحو : أما علماً فعالم . .
{ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ } : استفهام توبيخ وتحذير وتوعد ، أي : أي شيء ظنكم بمن هو يستحق لأن تعبدوه ، إذ هو رب العالمين حتى تركتم عبادته وعدلتم به الأصنام ؟ أي : أيّ شيء ظنكم بفعله معكم من عقابكم ، إذ قد عبدتم غيره ؟ كما تقول : أسأت آل فلان ، فما ظنك به أن يوقع بك خيراً ما أسأت إليه ؟ ولما وبخهم على عبادة غير الله ، أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تنفع ولا تضر ، فعهد إلى ما يجعله منفرداً بها حتى يكسرها ويبين لهم حالها وعجزها . { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ } ، والظاهر أنه أراد علم الكواكب ، وما يعزي إليها من التأثيرات التي جعلها الله لها . والظاهر أن نظره كان فيها ، أي في علمها ، أو في كتابها الذي اشتمل على أحوالها وأحكامها . قيل : وكانوا يعانون ذلك ، فأتاهم من الجهة التي يعانونها ، وأوهمهم بأنه استدل بأمارة في علم النجوم أنه سقيم ، أي يشارف السقم . قيل : وهو الطاعون ، وكان أغلب الأسقام عليهم إذ ذاك ، وخافوا العدوي