@ 294 @ ابن عطية : واسم كان مضمر تقديره ولو كان . انتهى ، أي ولو كان الداعي ذا قربى من المدعو ، فإن المدعو لا يحمل منه شيئاً . وذكر الضمير حملاً على المعنى ، لأن قوله : { مُثْقَلَةٌ } ، لا يريد به مؤنث المعنى فقط ، بل كل شخص ، فكأنه قيل : وإن تدع شخصاً مثقلاً . وقرىء : ولو كان ذو قربى ، على أن كان تامة ، أي ولو حضر إذا ذاك ذو قربى ودعته ، لم يحمل منه شيئاً . وقالت العرب : قد كان لبن ، أي حضر وحدث . وقال الزمخشري : نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة ، لأن المعنى : على أن المثقلة إذا دعت أحداً إلى حملها لا يحمل منه ، وإن كان مدعوها ذا قربى ، وهو معنى صحيح ملتئم . ولو قلت : ولو وجد ذو قربى ، لتفكك وخرج عن اتساقه والتئامه . انتهى . وهو نسق ملتئم على التقدير الذي ذكرناه ، وتفسيره كان ، وهو مبني للفاعل ، يؤخذ المبني للمفعول تفسير معنى ، وليس مرادفاً ومرادفه ، حدث أو حضر أو وقع ، هكذا فسره النحاة . .
ولما سبق ما تضمن الوعيد وبعض أهوال القيامة ، كان ذلك إنذاراً ، فذكر أن الإنذار إنما يجدي وينفع من يخشى الله . { بِالْغَيْبِ } : حال من الفاعل أو المفعول ، أي يخشون ربهم غافلين عن عذابه ، أو يخشون عذابه غائباً عنهم . وقيل : بالغيب في السر ، وقيل : بالغيب ، أي وهو بحال غيبه عنهم إنما هي رسالة . وقرأ الجمهور : { وَمَن تَزَكَّى } ، فعلاً ماضياً ، { فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى } : فعلاً ، مضارع تزكى ، أي ومن تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي ، فإنما ثمرة ذلك عائدة عليه ، وهو إنما زكاته لنفسه لا لغيره ، والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة . وقرأ العباس عن أبي عمرو : ومن يزكى فإنما يزكى ، بالياء من تحت وشدّ الزاي فيهما ، وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى ، أدغمت التاء في الزاي ، كما أدغمت في الذال في قوله : { يَذَّكَّرُونَ } . وقرأ ابن مسعود ، وطلحة : ومن ازكى ، بإدغام التاء في الزاي واجتلاب همزة الوصل في الابتداء ؛ وطلحة أيضاً : فإنما يزكى ، بإدغام التاء في الزاي . { وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } : وعد لمن يزكى بالثواب . .
{ وَمَا يَسْتَوِى الاْعْمَى وَالْبَصِيرُ } الآية : هي طعن على الكفرة وتمثيل . فالأعمى الكافر ، والبصير المؤمن ، أو الأعمى الصنم ، والبصير الله عز وجل وعلا ، أي لا يستوي معبودهم ومعبود المؤمنين . والظلمات والنور ، والظل والحرور : تمثيل للحق والباطل وما يؤديان إليه من الثواب والعقاب . والأحياء والأموات ، تمثيل لمن دخل في الإسلام ومن لم يدخل فيه . والحرور : شدّة حر الشمس . وقال الزمخشري : والحرور : السموم ، إلا أن السموم تكون بالنهار ، والحرور بالليل والنهار ؛ وقيل : بالليل . انتهى . وقال ابن عطية : قال رؤبة : الحرور بالليل ، والسموم بالنهار ، وليس كما قال ، وإنما الأمر كما حكى الفراء وغيره : أن السموم يختص بالنهار . ويقال : الحرور في حر الليل ، وفي حر النهار . انتهى . ولا يرد على رؤبة ، لأنه منه تؤخذ اللغة ، فأخبر عن لغة قومه . وقال قوم : الظل هنا : الجنة ، والحرور : جهنم ، ويستوي من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد . فدخول لا في النفي لتأكيد معناه لقوله : { وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيّئَةُ } . وقال ابن عطية : دخول لا إنما هو على هيئة التكرار ، كأنه قال : ولا الظلمات والنور ولا النور والظلمات ، فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ، ودل مذكور الكلام على متروكه . انتهى . وما ذكر غير محتاج إلى تقديره ، لأنه إذا نفى استواء الظلمات والنور ، فأي فائدة في تقدير نفي استوائهما ثانياً وادعاء محذوفين ؟ وأنت تقول : ما قام زيد ولا عمرو ، فتؤكد بلا معنى النفي ، فكذلك هذا . وقرأ زادان عن الكسائي : وما تستوي الأحياء ، بتاء التأنيث ؛ والجمهور : بالياء ، وترتيب هذه المنفي عنها الاستواء في غاية الفصاحة . وذكر الأعمى والبصير مثلاً للمؤمن والكافر ، ثم البصير . ولو كان حديد النظر لا يبصر إلا في ضوء ، فذكر ما هو فيه الكافر من ظلمة الكفر ، وما هو فيه المؤمن من نور الإيمان . ثم ذكر مآلهما ، وهو الظل ، وهو أن المؤمن بإيمانه في ظل وراحة ، والكافر بكفره في حر وتعب . .
ثم ذكر مثلاً آخر في حق المؤمن والكافر فوق حال الأعمى والبصير ، إذ الأعمى قد يشارك البصير في إدراك مّا ، والكافر غير مدرك إدراكاً نافعاً ، فهو كالميت ، ولذلك أعاد الفعل فقال : { وَمَا يَسْتَوِى الاْحْيَاء وَلاَ الاْمْوَاتُ } ، كأنه جعل مقام سؤال ، وكرر لا فيما ذكر لتأكيد المنافاة .