@ 293 @ ( سقط : الآية كاملة ) .
هذه آية موعظة وتذكير ، وأن جميع الناس محتاجون إلى إحسان الله تعالى وإنعامه في جميع أحوالهم ، لا يستغنى أحد عنه طرفة عين ، وهو الغني عن العالم على الإطلاق . وعرّف الفقراء ليريهم شديد افتقارهم إليه ، إذ هم جنس الفقراء ، وإن كان العالم بأسره مفتقر إليه ، فلضعفهم جعلوا كأنهم جميع هذا الجنس ؛ ولو نكر لكان المعنى : أنتم ، يعني الفقراء ، وقوبل الفقراء بالغني ، ووصف بالحميد دلالة على أنه جواد منعم ، فهو محمود على ما يسديه من النعم ، مستحق للحمد . ولما ذكر أنه الغني على الإطلاق ، ذكر ما يدل على استفنائه عن العالم ، وأنه ليس بمحتاج إليهم فقال : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } : أي إن يشأ إذهابكم يذهبكم ، وفي هذا وعيد بإهلاكهم . { وَمَا ذالِكَ } : أي إذهابكم ، والإتيان بخلق جديد { بِعَزِيزٍ } ، أي بممتنع عليه ، إذ هو المتصف بالقدرة التامة ، فلا يمتنع عليه شيء مما يريده . ومعنى : { بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } : بدلكم لقوله : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } . وعن ابن عباس : يخلق بعدكم من يعبده ، لا يشرك به شيئاً . وقد جاء هذا المعنى من ذكر الإذهاب بعد وصفه تعالى بالغني في قوله تعالى : { وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء } . وجاء أيضاً تعليق الإذهاب مختوماً آخر الآية بذكر القدرة الدالة على ذلك في قوله : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِاخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذالِكَ قَدِيراً } . .
روي أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين : اكفروا بمحمد وعليّ وزركم ، فنزلت . وأخبر تعالى ، لا يحمله أحد عن أحد . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : هذه الآية في الذنوب والجرائم . ويقال : وزر الشيء : حمله ، ووازرة : صفة لمحذوف ، أي نفس وازرة : حاملة ، وذكر الصفة ولم يذكر الموصوف مقتصراً عليه ، لأن المعنى : أن كل نفس لا ترى إلا حامله وزرها ، لا وزر غيرها ، فلا يؤاخذ نفساً بذنب نفس ، كما يأخذ جبابرة الدنيا الجاربالجار ، والصديق بالصدق ، والقريب بالقريب . وقال ابن عطية : ومن تطرف من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمته ، كفعل زياد ونحوه ، فإنما ذلك ظلم ، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بموازرة ومواصلة ، أو اطلاع على حاله وتقرير لها ، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب . انتهى . وكأن ابن عطية تأول أفعال زياد وما فعل في الإسلام ، وكانت سيرته قريبة من سيرة الحجاج ، ولا منافاة بين هذه الآية في العنكبوت ، لأن تلك في الضالين المضلين يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم ، فكل ذلك أثقالهم ، ما فيها من ثقل غيرهم شيء . ألا ترى : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مّن شَىْء } ؟ .
{ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } : أي نفس مثقلة بحملها ، { إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء } : أي لا غياث يومئذ لمن استغاث ، ولا إعانة حتى أن نفساً قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وزرها لم تجب وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ فالآية قبلها في الدلالة على عدل الله في حكمه وأنه لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها وهذه في نفي الإعانة والحمل ما كان على الظهر في الأجرام فاستعير للمعاني كالذنوب ونحوها فيجعل كل محمول متصلاً بالظهر كقوله : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ } ، كما جعل كل اكتساب منسوباً إلى اليد . وقرأ الجمهور : يحمل بالياء ، مبنياً للمفعول ؛ وأبو السمال عن طلحة ، وإبراهيم بن زادان عن الكسائي : بفتح التاء من فوق وكسر الميم ، وتقتضي هذه القراءة نصب شيء ، كما اقتضت قراءة الجمهور رفعه ، والفاعل بيحمل ضمير عائد على مفعول تدع المحذوف ، أي وإن تدع مثقلة نفساً أخرى إلى حملها ، لم تحمل منه شيئاً . واسم كان ضمير يعود على المدعو المفهوم من قوله : { وَإِن تَدْعُ } ، هذا معنى قول الزمخشري ، قال : وترك المدعو ليعم ويشمل كل مدعو . قال : فإن قلت : فكيف استفهام إضمار ، ولا يصح أن يكون العام ذا قربى للمثقل ؟ قلت : هو من العموم الكائن على طريق البدل . انتهى . وقال