@ 290 @َ العِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } ، فبين أن لا عزة إلا لله ولأوليائه وقال : { الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } . انتهى . ولا تنافي بين قوله : { فَإِنَّ العِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } ، وإن كان الظاهر أنها له لا لغيره ، وبين قوله { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وإن كان يقتضى الاشتراك ، لأن العزة في الحقيقة لله بالذات ، وللرسول بواسطة قربه من الله ، وللمؤمنين بواسطة الرسول . فالمحكوم عليه أولاً غير المحكوم عليه ثانياً . ومن اسم شرط ، وجملة الجواب لا بد أن يكون فيها ضمير يعود على اسم الشرط إذا لم يكن ظرفاً ، والجواب محذوف تقديره على حسب تلك الأقوال السابقة . فعلى قول مجاهد : فهو مغلوب ، وعلى قول قتادة : فيطلبها من الله ، وعلى قول الفراء : فلينسب ذلك إلى الله ، وعلى القول الرابع : فهو لا ينالها ؛ وحذف الجواب استغناء عنه بقوله : { فَاللَّهُ * الْعِزَّةُ جَمِيعاً } ، لدلالته عليه . والظاهر من هذه الأقوال قول قتادة : فليطلبها من العزة له يتصرف فيها كما يريد ، كما قال تعالى : { وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } ، وانتصب جميعاً على المراد ، والمراد عزة الدنيا وعزة الآخرة . .
و { الْكَلِمُ الطَّيّبُ } : التوحيد والتحميد و ذكر الله ونحو ذلك . وقال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله . وقيل : ثناء بالخير على صالحي المؤمنين . وقال كعب : إن لسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل بذكر صاحبها . وقرأ الجمهور : { يَصْعَدُ } ، مبنياً للفاعل من صعد ؛ { الْكَلِمُ الطَّيّبُ } : مرفوعاً ، فالكلم جمع كلمة . وقرأ علي ، وابن مسعود ، والسلمي ، وإبراهيم : يصعد من أصعد ، الكلام الطيب على البناء للمفعول . انتهى . وقرأ زيد بن علي يصعد من صعد الكلام : رقي ، وصعود الكلام إليه تعالى مجاز في الفاعل وفي المسمى إليه ، لأنه تعالى ليس في جهة ، و لأن الكلم ألفاظ لا توصف بالصعود ، لأن الصعود من الاجرام يكون ، وإنما ذلك كناية عن القبول ، ووصفه بالكمال . كما يقال : علا كعبة وارتفاع شأنه ، ومنه ترافعوا إلى الحاكم ، ورفع الأمر إليه ، وليس هناك علو في الجهة . .
وقرأ الجمهور : والعمل الصالح يرفعهما . فالعمل مبتدأ ، ويرفعه الخبر ، وفاعل يرفعه ضمير يعود على العمل الصالح ، وضمير النصب يعود على الكلم ، أي يرفع الكلم الطيب ، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير ومجاهد والضحاك . وقال الحسن : يعرض القول على الفعل ، فإن وافق القول الفعل قبل ، وإن خالف رد . وعن ابن عباس نحوه ، قال : إذ اذكر الله العبد وقال كلا ما طيباً وأدّى فرائضه ، ارتفع قوله مع عمله ؛ وإذا قال ولم يؤدّ فرائضه ، رد قوله على عمله ؛ وقيل : عمله أولى به . قال ابن عطية : وهذا قول يرده معتقد أهل السنة ، ولا يصح عن ابن عباس . والحق أن القاضي لفرائضه إذ ذكر الله وقال كلاماً طيباً ، فإنه مكتوب له متقبل ، وله حسناته وعليه سيئآته ، والله يتقبل من كل من اتقى الشرك . وقال أبو صالح ، وشهر بن حوشب عكس هذا القول : ضمير الفاعل يعود على الكلم ، وضمير النصب على العمل الصالح ، أي يرفعه الكلم الطيب . وقال قتادة : إن الفاعل هو ضمير يعود على الله ، والهاء للعمل الصالح ، أي يرفعه الله إليه ، أي يقبله . وقال ابن عطية : هذا أرجح الأقوال . وعن ابن عباس : والعمل الصالح يرفع عامله ويشرفه ، فجعله على حذف مضاف . ويجوز عندي أن يكون العمل معطوفاً على الكلم الطيب ، أي يصعدان إلى الله ، ويرفعه استئناف إخبار ، أي يرفعهما الله ، ووحد الضمير لاشتراكهما في الصعود ، والضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة ، فيكون لفظه مفرداً ، و المراد به التثنية ، فكأنه قيل : ليس صعودهما من ذاتهما ، بل ذلك برفع الله إياهما . وقرأ عيس ، وابن أبي عبلة : والعمل الصالح ، بنصبهما على الاشتغال ، فالفاعل ضمير الكلم أو ضمير الله ، ومكر لازم ، والسيئات نعت لمصدر محذوف ، أي المكرات السيئات ، أو المضاف إلى المصدر ، أي أضاف المكر إلى السيئات ، أو ضمن يمكرون معنى ، يكتسبون ، فنصب السيئات مفعولاً به . وإذا كانت السيئات نعتاً لمصدر ، أو لمضاف لمصدر ، فالظاهر أنه عنى به مكرات قريش في دار الندوة ، إذ تذاكروا إحدى ثلاث مكرات ، وهي المذكورة في الأنفال : إثباته ، أو قتله ، أو إخراجه ؛ و { أُوْلَائِكَ } إشارة إلى الذين مكروا تلك المكرات . { يَبُورُ } : أي يفسد و يهلك دون مكر الله بهم ، إذ أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر ، فجمع عليهم مكراتهم جميعاً وحقق فيهم قوله : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، وقوله : { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ، وهو مبتدأ ، أو يبور خبره ، والجملة خبر عن قوله : { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ } . وأجاز الحوفي وأبو البقاء