@ 289 @ ومنه فتصبح الأرض مخضرة . قال الزمخشري : وكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز خصوصية بحال يستغرب ، أو يتهم المخاطب ، أو غير ذلك ، كما قال تأبط شراً : % ( بأني قد لقيت الغول تهوي % .
بشهب كالصحيفة صحصحان .
) % .
% ( فأضربها بلاد هش فخرت % .
صريعاً لليدين وللجران .
) % .
.
لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي يشجع فيها ابن عمه على ضرب الغول ، كأنه يبصرهم إياها ويطلعهم على كنهها ، مشاهدة للتعجب من جراءته على كل هول ، وثباته عند كل شدّة . وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت ، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها . لما كان من الدلائل على القدرة الباهرة وقيل : فسقنا وأحيينا ، معدولاً بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه . انتهى . وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : أي أرسل بلفظ الماضي . لما أسند إلى الله وما يفعله تعالى بقوله : كن ، لا يبقى زماناً ولا جزء زمان ، فلم يأت بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه ، ولأنه فرغ من كل شيء ، فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة وإلى المواضع المعينة . ولما أسند الإثارة إلى الريح ، وهي تؤلف في زمان ، قال : { فَتُثِيرُ } ، وأسند { أُرْسِلَ } إلى الغائب ، وفي { فَسُقْنَاهُ } ، و { فَأَحْيَيْنَا } إلى المتكلم ، لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ، ثم لما عرف قال : أنا الذي عرفتني سقت السحاب فأحييت الأرض . ففي الأول تعريف بالفعل العجيب ، وفي الثاني تذكير بالبعث . وفسقناه وفأحيينا بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرنا من الفرق بين فتثير وأرسل . انتهى . وهذا الذي ذكر من الفرق بين أرسل وفتثير لا يظهر . ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة الروم : { اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } ، وفي الأعراف : { وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } ، كيف جاء في الإرسال بالمضارع ؟ وإنما هذا من التفنن في الكلام والتصرف في البلاغة . وأما الخروج من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه فهو من باب الالتفات ، وكذلك ما في الأعراف { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا * كُلِى مِن كُلّ الثَّمَراتِ } . وأما قوله : وما يفعله تعالى إلى آخره ، وكل فعل ، وإن كان أسند إلى غيره مجازاً ، فهو فعله حقيقة ، فلا فرق بين ما يسنده إلى ذاته ، وبين ما يسند إلى غيره ، لأن جميع ذلك هو إيجاده وخلقه . والنشور ، مصدر نشر : الميت إذا حيي ، قال الأعشى : % ( حتى يقول الناس مما رأوا % .
يا عجباً للميت الناشر .
) % .
.
والنشور : مبتدأ ، والجار والمجرور قبله في موضع الجر ، والتشبيه وقع لجهات لما قلبت الأرض الميتة الحياة اللائقة بها ، كذلك الأعضاء تقبل الحياة . أو كما أن الريح يجمع قطع السحاب ، كذلك تجمع أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء ؛ أو كما يسوق الرياح والسحاب إلى البلد الميت ، يسوق الروح والحياة إلى البدن . { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } : أي المغالبة ، { فَاللَّهُ * الْعِزَّةُ } : أي ليست لغيره ، ولا تتم إلا به ، والمغالب مغلوب . ونحا إليه مجاهد و قال : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان ، وهذا تمثيل لقوله : { وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ ءالِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } . وقال قتادة : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } وطريقها القويم ويحب نيلها ، { فَاللَّهُ * الْعِزَّةُ } : أي به وعن أمره ، لاتنال عزته إلا بطاعته . وقال الفراء : من كان يريد علم العزة ، { فَاللَّهُ * الْعِزَّةُ } : أي هو المتصف بها . وقيل : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } : أي لا يعقبها ذلة ويصار بها للذلة . وقال الزمخشري : كان الكافرون يتعززون بالأصنام ، كما قال عز وجل : { وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ ءالِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } . والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين ، كما قال : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنّ