@ 280 @ الدنيا . مثل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعد ، كما يتناوله الآخر من قرب . وقرأ الجمهور : التناوش بالواو . وقرأ حمزة ، والكسائي . وأبو عمرو ، وأبو بكر : بالهمز ، ويجوز أن يكونا مادتين ، إحداهما النون والواو والشين ، والأخرى والهمزة والشين ، وتقدّم شرحهما في المفردات . ويجوز أن يكون أصل الهمزة الواو ، على ما قاله الزجاج ، وتبعه الزمخشري وابن عطية والحوفي وأبو البقاء ، وقال الزجاج : كل واو مضمومة ضمة لازمة ، فأنت فيها بالخيار ، إن شئت تثبت همزتها ، وإن شئت تركت همزتها . تقول : ثلاث أدور بلا همز ، وأدؤر بالهمز . قال : والمعنى : من أنى لهم تناول ما طلبوه من التوبة بعد فوات وقتها ، لأنها إنما تقبل في الدنيا ، وقد ذهبت الدنيا فصارت على بعد من الآخرة ، وذلك قوله تعالى : { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } . وقال الزمخشري : همزت الواو المضمومة كما همزت في أجوه وأدور . وقال ابن عطية : وأمّا التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناوش ، وهمزت الواو لما كانت مضمومة ضمة لازمة ، كما قالوا : أفتيت . وقال الحوفي : ومن همز احتمل وجهان : أحدهما : أن يكون من الناش ، وهو الحركة في إبطاء ، ويجوز أن يكون من ناش ينوش ، همزت الواو لانضمامها ، كما همزت افتيت وأدور . وقال أبو البقاء : ويقرأ بالهمز من أجل الواو ، وقيل : هي أصل من ناشه . انتهى . وما ذكروه من أن الواو إذا كانت مضمومة ضمة لازمة يجوز أن تبدل همزة ، ليس على إطلاقه ، بل لا يجوز ذلك في المتوسطة إذا كان مدغمة فيها ، ونحو يعود وتعوذ مصدرين ؛ ولا إذا صحت في الفعل نحو : ترهوك ترهوكاً ، وتعاون تعاوناً ، ولم يسمع همزتين من ذلك ، فلا يجوز . والتناوش مثل التعاون ، فلا يجوز همزه ، لأن واوه قد صحت في الفعل ، إذ يقول : تناوش . .
{ وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ } : الضمير في به عائد على ما عاد عليه { بِهِ إِنَّهُ } على الأقوال ، والجملة حالية ، و { مِن قَبْلُ } نزول العذاب . وقرأ الجمهور : { وَيَقْذِفُونَ } مبنياً للفاعل ، حكاية حال متقدّمة . قال الحسن : قولهم لا جنة ولا نار ، وزاد قتادة : ولا بعث ولا نار . وقال ابن زيد : طاعنين في القرآن بقولهم : { أَسَاطِيرُ الاْوَّلِينَ } . وقال مجاهد في الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، بقولهم : شاعر وساحر وكاهن . { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } : أي في جهة بعيدة ، لأن نسبته إلى شيء من ذلك من أبعد الأشياء . قال الزمخشري : وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي ، لأنهم لم يشاهدوا منه سحراً ولا شعراً ولا كذباً ، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله ، لأن أبعد شيء مما جاء به الشعر والسحر ، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب والزور . انتهى . وقيل : هو مستأنف ، أي يتلفظون بكلمة الإيمان حين لا ينفع نفسها إيمانها ، فمثلت حالهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم : آمنا في الآخرة ، وذلك مطلب مستبعد ممن يقذف شيئاً من مكان بعيد لا مجال للنظر في لحوقه ، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائباً عنه بعيداً . والغيب : الشيء الغائب . وقرأ مجاهد ، وأبو حيوة ، ومحبوب عن أبي عمرو : ويقذفون ، مبنياً للمفعول . قال مجاهد : ويرجمهم بما يكرهون من السماء . وقال أبو الفضل الرازي : يرمون بالغيب من حيث لا يعلمون ، ومعناه : يجازون بسوء أعمالهم ، ولا علم لهم بما أتاه ، إما في حال تعذر التوبة عند معاينة الموت ، وإما في الآخرة . وقال الزمخشري : أي يأتيهم به ، يعني بالغيب ، شياطينهم ويلقنونهم إياهم . وقيل : يرمون في النار ؛ وقيل : هو مثل ، لأن من ينادي من مكان بعيد لا يسمع ، أي هم لا يعقلون ولا يسمعون . .
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ } ، قال الحوفي : الظرف قائم مقام اسم ما لم يسم فاعله . انتهى . ولو كان على ما ذكر ، لكان مرفوعاً بينهم ، كفراءة من قرأ : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } ، في أحد المعنين ، لا يقال لما أضيف إلى مبني وهو الضمير بنى ، فهو في موضع رفع ، وإن كان مبنياً . كما قال بعضهم في قوله : وإذ ما مثلهم ، يشير إلى أنه في موضع رفع لإضافته إلى الضمير ، وإن كان مفتوحاً ، لأنه قول فاسد . يجوز أن تقول : مررت بغلامك ، وقام غلامك بالفتح ، وهذا لا يقوله أحد . والبناء لأجل الإضافة إلى المبني ليس مطلقاً ، بل له مواضع أحكمت في النحو