@ 278 @ المفعول ، كانت الباء زائدة في موضع لا تطرد زيادتها . وقرأ الجمهور : علام بالرفع ، فالظاهر أنه خبر ثان ، وهو ظاهر قول الزجاج ، قال : هو رفع ، لأن تأويل قل رب علام الغيوب . وقال الزمخشري : رفع محمول على محل إن واسمها ، أو على المستكنّ في يقذف ، أو هو خبر مبتدأ محذوف . انتهى . أمّا الحمل على محل إن واسمها فهو غير مذهب سيبويه ، وليس بصحيح عند أصحابنا على ما قررناه في كتب النحو . وأمّا قوله على المستكن في يقذف ، فلم يبين وجه حمله ، وكأنه يريد أنه بدل من ضمير يقذف . وقال الكسائي : هو نعت لذلك الضمير ، لأنه مذهبه جواز نعت المضمر الغائب . وقرأ عيسى ، وابن أبي إسحاق ، وزيد بن علي ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، وحرب عن طلحة : علام بالنصب ؛ فقال الزمخشري : صفة لربي . وقال أبو الفضل الرازي ، وابن عطية : بدل . وقال الحوفي : بدل أو صفة ؛ وقيل : نصب على المدح . وقرىء : الغيوب بالجر ، أمّا الضم فجمع غيب ، وأمّا الكسر فكذلك استثقلوا ضمتين والواو فكسر ، والتناسب الكسر مع الياء والضمة التي على الياء مع الواو ؛ وأمّا الفتح فمفعول للمبالغة ، كالصبور ، وهو الشيء الذي غاب وخفي جداً . .
ولما ذكر تعالى أنه يقذف بالحق بصيغة المضارع ، أخبر أن الحق قد جاء ، وهو القرآن والوحي ، وبطل ما سواه من الأديان ، فلم يبق لغير الإسلام ثبات ، لا في بدء ولا في عاقبة ، فلا يخاف على الإسلام ما يبطله ، كما قال : { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } . وقال قتادة : الباطل : الشيطان ، لا يخلق شيئاً ولا يبعثه . وقال الضحاك : الأصنام لا تفعل ذلك . وقال أبو سليمان : لا يبتدىء الصنم من عنده كلاماً فيجاب ، ولا يرد ما جاء من الحق بحجة . وقيل : الباطل : الذي يضاد الحق ، فالمعنى : ذهب الباطل بمجيء الحق ، فلم يبقى منه بقية ، وذلك أن الجائي إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة ، فصار قولهم : لا يبدي ولا يعيد ، مثلاً في الهلاك ، ومنه قول الشاعر : % ( أفقر من أهيله عبيد % .
فاليوم لا يبدي ولا يعيد .
) % .
.
والظاهر أن ما نفي ، وقيل : استفهام ومآله إلى النفي ، كأنه قال : أي شيء يبدىء الباطل ، أي إبليس ، ويعيده ، قاله الزجاج وفرقة معه . وعن الحسن : لا يبديء ، أي إبليس ، لأهله خيراً ، ولا يعيده : أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة . وقيل : الشيطان : الباطل ، لأنه صاحب الباطل ، لأنه هالك ، كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك . وقيل : الحق : السيف . عن ابن مسعود : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مكة ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها بعود نبقة ويقول : ( { جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ، { جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىء الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } ) . .
وقرأ الجمهور : { قُلْ إِن ضَلَلْتُ } ، بفتح اللام ، { فَإِنَّمَا أَضِلُّ } ، بكسر الضاد . وقرأ الحسن ، وابن وثاب ، وعبد الرحمن المقري : بكسر اللام وفتح الضاد ، وهي لغة تميم ، وكسر عبد الرحمن همزة أضل . وقال الزمخشري : لغتان نحو : ضللت أضل ، وظللت أظل . { وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى } ، وأن تكون مصدرية ، أي فبوحي ربي . والتقابل اللفظي : وإن اهتديت فإنما أهتدي لها ، كما قال : { وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } ، مقابل : { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } ، { وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } ، مقابل : { فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ } ، أو يقال : فإنما أضل بنفسي . وأما في الآية فالتقابل معنوي ، لأن النفس كل ما عليها فهو لها ، أي كل وبال عليها فهو بسببها . { إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوء } وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه ، وهذا حكم عام لكل مكلف . وأمر رسوله أن يسنده إلى نفسه ، لأنه إذا دخل تحته مع جلالة محله وسر طريقته كما غيره أولى به . انتهى ، وهو من كلام