@ 193 @ جاء به القرآن على الإنذار ، وإن كان قد جاء له وللتبشير ليكون ذلك ردعاً لهم ، ولأنه إذا ذكر الإنذار ، صار عند العاقل فكر فيما أنذر به ، فلعل ذلك الفكر يكون سبباً لهدايته . و { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } : ترجية من رسول الله ، كما كان في قوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ، من موسى وهارون . قال الزمخشري : وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة . انتهى . يعني أنه عبر عن الإرادة بلفظ الترجي ، ومعناه : إرادة اهتدائهم ، وهذه نزغة اعتزالية ، لأنه عندهم أن يرد هداية العبد ، فلا يقع ما يريد ، ويقع ما يريد العبد ، تعالى الله عن ذلك . ولما بين تعالى أمر الرسالة ، ذكر ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل بذكر مبدأ العالم . وتقدم الكلام على { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } في الأعراف . { مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ } : أي إذا جاوزتموه إلى سواه فاتخذتموه ناصراً وشفيعاً . { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } موجد هذا العالم ، فتعبدوه وترفضوا ما سواه ؟ .
{ يُدَبّرُ الاْمْرَ } ، الأمر : واحد الأمور . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، والضحاك : ينفذ الله قضاءه بجيمع ما يشاؤه . { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } : أي يصعد ، خبر ذلك { فِى يَوْمٍ } من أيام الدنيا ، { مِقْدَارُهُ } : أن لو سير فيه السير المعروف من البشر { أَلْفَ سَنَةٍ } ، لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام . وقال مجاهد أيضاً : الضمير في مقداره عائد على التدبير ، أي كان مقدار التدبير المنقضي في يوم ألف سنة لو دبره البشر . وقال مجاهد أيضاً : يدبر ويلقي إلى الملائكة أمور ألف سنة من عندنا ، وهو اليوم عنده ، فإذا فرغت ألقى إليهم مثلها . فالمعنى : أن الأمور تنفذ عنه لهذه المدة وتصير إليه آخر ، لأن عاقبة الأمور إليه . وقيل : المعنى يدبره في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فينزل القضاء والقدر ، ثم تعرج إليه يوم القيامة ، ومقداره ما ذكر ليحكم فيه من ذلك اليوم ، حيث ينقطع أمر الأمراء ، أو أحكام الحكام ، وينفرد بالأمر كل يوم من أيام الآخرة بألف سنة ، وهو على الكفار قدر خسمين ألف سنة حسبما في سورة سأل سائل ، وتأتي الأقوال فيه إن شاء الله تعالى . وقيل : ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض ، ثم يرجع إلى ما كان من قبول الوحي أو ربه مع جبريل ، وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة ، لأن المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود ، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل ، لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد . قال الزمخشري : وبداية الأمر المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ، ينزله مدبراً من السماء إلى الأرض ، ثم لا يعمل به ، ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصاً كما يريده ويرتضيه ، إلا في مدة متطاولة ، لقلة الأعمال لله والخلوص من عباده ، وقلة الأعمال الصاعدة ، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص ، ودل عليه قوله على أثره : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } . انتهى . .
وقيل : يدبر أمر الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ، ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض ، لأنها على أهل الأرض تطلع إلى أن تغرب ، وترجع إلى موضعها من الطلوع في يوم مقداره في المسافة ألف سنة . والضمير في { إِلَيْهِ } عائد إلى السماء ، لأنها تذكر ؛ وقيل : إلى الله . وقال عبد الله بن سابط : يدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل للرياح ، والجنود وميكائيل للقطر والماء ، وملك الموت لقبض الأرواح ، وإسرافيل لنزول الأمر عليهم . وقيل : العرش موضع التدبير ، وما دونه موضع التفصيل ، وما دون السموات موضع التعريف . وقال السدي : الأمر : الوحي . وقال مقاتل : القضاء . وقال غيرهما : أمر الدنيا . قال الزجاج : تقول عرجت في السلم أعرج ، وعرج الرجل يعرج إذا صار أعرج . وقرأ ابن أبي عبلة : { يَعْرُجُ } مبنياً للمفعول ؛ والجمهور : مبنياً للفاعل . قال أبو عبد الله الرازي : وفي هذا لطيفة ، وهو أن الله ذكر في الآية المتقدمة عالم الأجسام والخلق ، وأشار إلى عظمة الملك ؛ وذكر هنا عالم الأرواح والأمر بقوله : { يُدَبّرُ الاْمْرَ } ، والروح من عالم الأمر ، كما قال : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى } ، وأشار إلى دوامه بلفظ يوهم الزمان . والمراد دوام النفاد ، كما يقال في العرف : طال زمان فلان ، والزمان يمتد فيوجد في أزمنة كثيرة . فأشار إلى عظمة الملك بالمكان ، وأشار إلى دوامه هنا بالزمان والمكان من خلقه وملكه ، والزمان بحكمه وأمره . انتهى . وهو كلام ليس جارياً على فهم العرب . وقرأ الجمهور : { مّمَّا تَعُدُّونَ } ، بتاء الخطاب . وقرأ السلمي ، وابن وثاب ، والأعمش ، والحسن : بياء الغيبة ، بخلاف عن الحسن . وقرأ جناح بن حبيش :