@ 192 @ مبتدأ ، { وَلاَ * رَيْبَ } خبره . ويجوز أن يكون { تَنزِيلَ } خبر مبتدأ ، أي هذا المتلو تنزيل ، أو هذه الحروف تنزيل ، و { الم } بدل على الحروف . وقال أبو البقاء : { الم } مبتدأ ، و { تَنزِيلَ } خبره بمعنى المنزل ، و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } حال من الكتاب ، والعامل فيه تنزيل ، و { مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ } متعلق بتنزيل أيضاً . ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في فيه ، والعامل فيه الظرف . ويجوز أن يكون { تَنزِيلَ } مبتدأ ، و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } الخبر ، و { مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ } حال كما تقدم . ولا يجوز على هذا أن يتعلق بتنزيل ، لأن المصدر قد أخبر عنه . ويجوز أن يكون الخبر { مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ } ، و { لاَ رَيْبَ } حال من الكتاب ، وأن يكون خبراً بعد خبر . انتهى . والذي أختاره أن يكون { تَنزِيلَ } مبتدأ ، و { لاَ رَيْبَ } اعتراض ، و { مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ } الخبر . وقال ابن عطية : { مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ } متعلق بتنزيل ، ففي الكلام تقديم وتأخير ؛ ويجوز أن يتعلق بقوله : { لاَ رَيْبَ } ، أي لا شك ، من جهة الله تعالى ، وإن وقع شك الكفرة ، فذلك لا يراعى . والريب : الشك ، وكذا هو في كل القرآن ، إلا قوله : { رَيْبَ الْمَنُونِ } . انتهى . .
وإذا كان { تَنزِيلَ } خبر مبتدأ محذوف ، وكانت الجملة اعتراضية بين ما افتقر إلى غيره وبينه ، لم نقل فيه : إن فيه تقديماً وتأخيراً ، بل لو تأخر لم يكن اعتراضاً . وأما كونه متعلقاً بلا ريب ، فليس بالجيد ، لأن نفي الريب عنه مطلقاً هو المقصود ، لأن المعنى : لا مدخل للريب فيه ، إن تنزيل الله ، لأن موجب نفي الريب عنه موجود فيه ، وهو الإعجاز ، فهو أبعد شيء من الريب . وقولهم : { افْتَرَاهُ } ، كلام جاهل لم يمعن النظر ، أو جاحد مستيقن أنه من عند الله ، فقال ذلك حسداً ، أو حكماً من الله عليه بالضلال . وقال الزمخشري : والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة ، كأنه قيل : لا ريب في ذلك ، أي في كونه منزلاً من رب العالمين . ويشهد لوجاهته قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } ، لأن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين . وكذلك قوله : { بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ } ، وما فيه من تقدير أنه من الله ، وهذا أسلوب صحيح محكم ، أثبت أولاً أن تنزيله من رب العالمين ، وأن ذلك ما لا ريب فيه . ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } ، لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل ، والهمزة إنكاراً لقولهم وتعجباً منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات ، ثم أضرب عن الإنكار إلى الإثبات أنه الحق من ربك . انتهى ، وهو كلام فيه تكثير . وقال أبو عبيدة : أم يكون معناه : بل يقولون ، فهو خروج من حديث إلى حديث ؛ ومن ربك في موضع الحال ، أي كائناً من عند ربك ، وبه متعلق بلتنذر ، أو بمحذوف تقديره : أنزله لتنذر . والقوم هنا قريش والعرب ، وما نافية ، ومن نذير : من زائدة ، ونذير فاعل أتاهم . .
أخبر تعالى أنه لم يبعث إليهم رسولاً بخصوصيتهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم ) ، لا لهم ولا لآبائهم ، لكنهم كانوا متعبدين بملة إبراهيم وإسماعيل ، وما زالوا على ذلك إلى أن غير ذلك بعض رؤسائهم ، وعبدوا الأصنام وعم ذلك ، فهم مندرجون تحت قوله : { وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } ، أي شريعته ودينه ؛ والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر ، بل يكون نذيراً لمن باشره ، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير ، ولم يباشرهم نذير غير محمد صلى الله عليه وسلم ) . وقال ابن عباس ، ومقاتل : المعنى لم يأتهم في الفترة بين عيس ومحمد ، عليهما السلام . .
وقال الزمخشري : { مَّا أَتَاهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } ، كقوله : { مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } ، وذلك أن قريشاً لم يبعث الله إليهم رسولاً قبل محمد صلى الله عليه وسلم ) . فإن قلت : فإذا لم يأتهم نذير ، لم تقم عليهم حجة . قلت : أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا ، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم ، لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان . انتهى . والذي ذهب إليه غير ما ذهب إليه المفسرون ، وذلك أنهم فهموا من قوله : { مَا ءاتَاهُمُ } ، و { مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } ، أن ما نافية ، وعندي أن ما موصولة ، والمعنى : لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم . { مّن نَّذِيرٍ } : متعلق بأتاهم ، أي أتاهم على لسان نذير من قبلك . وكذلك { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } : أي العقاب الذي أنذره آباؤهم ، فما مفعولة في الموضعين ، وأنذر يتعدى إلى اثنين . قال تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } ، وهذا القول جار على ظواهر القرآن . قال تعالى : { وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } ، و { أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ، { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } ، { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً } . .
ولما حكى تعالى عنهم أنهم يقولون : إن محمداً صلى الله عليه وسلم ) افتراه ورد عليهم ، اقتصر في ذكر ما