@ 430 @ .
والوجه الثاني : أن لا تكون معملة ، بل تكون ملغاة ، وما في موضع رفع بالابتداء ، والخبر في الجار والمجرور قبله . واللام في لما مختلف فيها ، فمنهم من ذهب إلى أنها لام الابتداء لزمت للفرق بين أن المؤكدة وإن النافية ، وهو مذهب أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش الصغير . وأكثر نحاة بغداد ، وبه قال : من نحاة بلادنا أبو الحسن بن الأخضر ، ومنهم من ذهب إلى أنها لام اختلست للفرق ، وليست لام الابتداء ، وبه قال أبو علي الفارسي . ومن كبراء بلادنا ابن أبي العالية ، والكلام على ذلك مذكور في علم النحو . .
ولم يذكر المفسرون والمعربون في إن المخففة هنا إلا هذا الوجه الثاني ، وهو أنها الملغاة ، وأن اللام في لما لزمت للفرق . قال المهدوي : من خفف إن ، فهي المخففة من الثقيلة ، واللام لازمة للفرق بينها وبين إن التي بمعنى ما . وقال ابن عطية : فرق بينها وبين النافية لام التوكيد في لما . وقال الزمخشري : وقرىء : وإن بالتخفيف ، وهي إن المخففة من الثقيلة التي يلزمها اللام الفارقة ، ومنه قوله تعالى : { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ } ، وجعلهم إن هي المخففة من الثقيلة ، هو مذهب البصريين . وأما الفراء فزعم فيما ورد من ذلك أنّ إن هي النافية ، واللام بمعنى إلا ، فإذا قلت : إن زيد لقائم ، فمعناه عنده : ما زيد إلا قائم . وأما الكسائي فزعم أنها إن وليها فعل ، كانت إن نافية ، واللام بمعنى إلا ، وإن وليها اسم ، كانت المخففة من الثقيلة . وذهب قطرب إلى أنها إذا وليها فعل ، كانت بمعنى قد ، والكلام على هذا المذهب في كتب النحو . .
وقرأ الجمهور : لما بميم مخففة وهي موصولة . وقرأ طلحة بن مصرف : لما بالتشديد ، قاله في الموضعين ، ولعله سقطت واو ، أي وفي الموضعين . قال محمد بن عطية : وهي قراءة غير متجهة ، وما قاله ابن عطية من أنها غير متجهة لا يتمشى إلا إذا نقل عنه أنه يقرأ وإنّ بالتشديد ، فحينئذ يعسر توجيه هذه القراءة . أما إذا قرأ بتخفيف إن ، وهو المظنون به ذلك ، فيظهر توجيهها بعض ظهور ، إذ تكون إن نافية ، وتكون لما بمنزلة إلا ، كقوله تعالى : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } ، { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } ، { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَواةِ } ، في قراءة من قرأ لما بالتشديد ، ويكون مما حذف منه المبتدأ لدلالة المعنى عليه ، التقدير : وما من الحجارة حجر إلا يتفجر منه الأنهار ، وكذلك ما فيها ، كقوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } ، أي وما منا أحد إلا له مقام معلوم ، { وَإِن مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } ، أي وما من أهل الكتاب أحد ، وحذف هذا المبتدأ أحسن ، لدلالة المعنى عليه ، إلا أنه يشكل معنى الحصر ، إذ يظهر بهذا التفضيل أن الأحجار متعدّدة ، فمنها ما يتفجر منه الأنهار ، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء ، ومنها ما يهبط من خشية الله . وإذا حصرت ، أفهم المفهوم قبله أن كل فرد فرد من الأحجار فيه هذه الأوصاف كلها ، أي تتفجر منه الأنهار ، ويتشقق منه الماء ، ويهبط من خشية الله . ولا يبعد ذلك إذا حمل اللفظ على القابلية ، إذ كل حجر يقبل ذلك ، ولا يمتنع فيه ، إذا أرد الله ذلك . فإذا تلخص هذا كله كانت القراءة متوجهة على تقدير : أن يقرأ طلحة ، وإن بالتخفيف . وأما إن صح عنه أنه يقر وإن بالتشديد ، فيعسر توجيه ذلك . وأما من زعم أن إن المشدّدة هي بمعنى ما النافية ، فلا يصح قوله ، ولا يثبت ذلك في لسان العرب . ويمكن أن توجه قراءة طلحة لما بالتشديد ، مع قراءة إن بالتشديد ، بأن يكون اسم إن محذوفاً لفهم المعنى ، كما حذف في قوله : .
ولكن زنجيّ عظيم المشافر .
وفي قوله :