@ 429 @ فالضمير في أشدّ عائد على ذلك الموصوف بأشدّ المحذوف . ويعضد هذا الاحتمال الثاني قراءة الأعمش ، بنصب الدال عطفاً على ، كالحجارة ، قاله الزمخشري . وينبغي أن لا يصار إلى هذا إلا في هذه القراءة خاصة . وأما على قراءة الرفع ، فلها التوجيه السابق الذي ذكرناه ، ولا إضمار فيه ، فكان أرجح . .
وقد رد أبو عبد الله بن أبي الفضل في منتخبه على الزمخشري قوله : إنه معطوف على الكاف ، فقال : هو على مذهب الأخفش ، لا على مذهب سيبويه ، لأنه لا يجيز أن يكون إسماً إلا في الشعر ، ولا يجيز ذلك في الكلام ، فكيف في القرآن ؟ فأولى أن يكون : أشدّ ، خبر مبتدأ مضمر ، أي وهي أشدّ . انتهى كلامه . وما ذهب إليه الزمخشري صحيح ، ولا يريد بقوله : معطوف على الكاف ، أن الكاف اسم ، إنما يريد معطوفاً على الجار والمجرور ، لأنه في موضع مرفوع ، فاكتفى بذكر الكاف عن الجار والمجرور . وقوله : فالأولى أن يكون أشدّ خبر مبتدأ مضمر ، أي هي أشد ، قد بينا أن الأولى غير هذا ، لأنه تقدير لا حاجة إليه . قال الزمخشري : فإن قلت : لم قال أشدّ قسوة ؟ وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب ، قلت : لكونه أبين وأدل على فرط القسوة . ووجه آخر ، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى ، ولكن قصد وصف القسوة بالشدّة ، كأنه قيل : اشتدّت قسوة الحجارة ، وقلوبهم أشدّ قسوة . انتهى كلامه . ومعنى قوله : وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل ، وفعل التعجب أن قسا يجوز أن يبني منه أفعل التفضيل ، وفعل التعجب بجواز اجتماع الشرائط المجوزة لبناء ذلك ، وهي كونه من فعل ثلاثي مجرد متصرف تام قابل للزيادة ، والنقص مثبت . وفي كونه من أفعل ، أو من كون ، أو من مبني للمفعول خلاف . وقرأ أبو حياة : أو أشدّ قساوة ، وهو مصدر لقسا أيضاً . .
{ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الانْهَارُ } : لما شبه تعالى قلوبهم بالحجارة في القسوة ، ثم ذكر أنها أشد قسوة على اختلاف الناس في مفهوم ، أو بين أن هذا التشبيه إنما هو بالنسبة لما علمه المخاطب من صلابة الأحجار ، وأخذ يذكر جهة كون قلوبهم أشدّ قسوة : والمعنى أن قلوب هؤلاء جاسية صلبة لا تلينها المواعظ ، ولا تتأثر للزواجر ، وإن من الحجارة ما يقبل التخلخل ، وأنها متفاوتة في قبول ذلك ، على حسب التقسيم الذي أشار إليه تعالى ونتكلم عليه . فقد فضلت الأحجار على قلوبهم في أن منها ما يقبل التخلخل ، وأن قلوب هؤلاء في شدّة القساوة . .
واختلف المفسرون في هذه الآية ، فقال قوم : إن قوله : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ } إلى آخره ، هو على سبيل المثل ، بمعنى أنه لو كان الحجر ممن يعقل لسقط من خشية الله تعالى ، وتشقق من هيبته ، وأنتم قد جعل الله فيكم العقل الذي به إدراك الأمور ، والنظر في عواقب الأشياء ، ومع ذلك فقلوبكم أشدّ قسوة ، وأبعد عن الخير . وقال قوم : ليس ذلك على جهة المثل : بل أخبر عن الحجارة بعينها ، وقسمها لهذه الأقسام ، وتبين بهذا التقسيم كون قلوبهم أشدّ قسوة من الحجارة . وقرأ الجمهور : وإنّ مشدّدة ، وقرأ قتادة : وإن مخففة ، وكذا في الموضعين بعد ذلك ، وهي المخففة من الثقيلة ، ويحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون معملة ، ويكون من الحجارة في موضع خبرها ، وما في موضع نصب بها ، وهو اسمها ، واللام لام الابتداء ، أدخلت على الاسم المتأخر ، والاسم إذا تأخر جاز دخول اللام عليه ، نحو قوله : { وَإِنَّ لَكَ لاَجْراً } ، وإعمالها مخففة لا يجيزه الكوفيون ، وهم محجوجون بالسماع الثابت من العرب ، وهو قولهم : إن عمرو لمنطلق ، بسكون النون ، إلا أنها إذا خففت لا تعمل في ضمير لا ، تقول : إنك منطلق ، إلا أن ورد في الشعر .